ما بين الاجتماع الثاني للمجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية والاستثمار يوم 27 مايو والاجتماع الثالث للمجلس يوم 1 يوليو حدث تغير مهم يستحق التأمل والانتباه فيما يتعلق بأحد الموضوعات التي كانت مدرجة على جدول أعمال الاجتماع.
وهذا الموضوع الذي علت في صياغة قراراته النبرات، وتعززت بشأنه التوجهات، يتعلق بتقرير حول الشركات الحكومية التي تملكها بعض الجهات الحكومية أو شبه الحكومية، وتمولها أو تشارك في تمويلها الدولة.
ففي الاجتماع الثاني وجه حضرة صاحب السمو الأمير المفدى بدراسة أوضاع هذه الشركات مؤكداَ على ضرورة مراعاة عدم دخولها في أنشطة تنافس القطاع الخاص.
وقد رأينا كثمرة لهذه التوجيهات ما أعلنته قطر للبترول قبل أسابيع قليلة من أنها ستلتزم في أنشطتها بأسلوب المناقصات ولن تقوم بالتعاقد المباشر مع أي من الشركات المعنية، وذلك لإحقاق العدل في إبرام عقود الخدمات التي تحتاجها الشركة.
وفي الاجتماع الثالث رفع سمو الأمير من توجيهاته بشأن الشركات الحكومية وأمر بالعمل على تحويل بعضها للقطاع الخاص ضمن جدول زمني محدد.
وهذا يؤكد ما حرص عليه سموه في مناسبات سابقة من تأكيد دعمه للقطاع الخاص ليقوم بالدور المطلوب منه في دفع عجلة النمو الاقتصادي بالبلاد.
وقد رأينا في أواخر عام 2013 كيف أنه أعطى توجيهات حاسمة بطرح أسهم شركة مسيعيد القابضة للاكتتاب العام وللقطريين الأفراد بوجه خاص، وبضرورة أن يعقب ذلك طرح شركات أخرى بعشرات المليارات من الريالات.
وإذن فالرجل يقود بنفسه المسيرة ويعطي التوجيهات تلو التوجيهات من أجل الوصول إلى الغايات المنشودة.
وكمثال آخر نجد أن شركة بروة التي توسعت كثيراً في أنشطتها وابتعدت عن صلب أعمالها في سنوات سابقة قد استفادت من التوجيهات وتخلصت من كثير من الأمور التي أثقلت كاهلها بمديونيات كبيرة ، وهو ما انعكس إيجاباً على سعر سهمها في السوق.
الملاحظ أن الحكومة قد أخذت على عاتقها في السنوات العشر السابقة، القيام بالكثير من الخدمات والأعمال التي تقع ضمن نطاق أعمال القطاع الخاص، ربما بسبب الحرص على الإسراع في قيام تلك الشركات، أو باعتبار أن لديها القدرات المالية الكبيرة اللازمة، دون التوقف عند موضوع الجدوى الاقتصادية لأي مشروع، أو مدى ربحيته.
وأصبح لدى الكثير من الوزارات والأجهزة الحكومية شركات خاصة توزعت بين "مناطق" لدى وزارة الاقتصاد والتجارة، وبعض الشركات التي تتبع مؤسسة قطر، وأخرى تتبع وزارة المالية، وثالثة تتبع مصرف قطر المركزي، وشركة كروة،، وغيرها. واستمرار هذه الشركات تحت المظلة الحكومية يُضعف من ربحيتها، وقد يعرضها لخسائر مالية لغياب الدور الرقابي المطلوب.
ومن جهة اخرى فإن إضطلاع الحكومة ومؤسساتها بإنشاء الشركات التي تحتاجها البلاد، يُضعف من همة القطاع الخاص في المنافسة والسعي للتوسع، خاصة إذا ما واجه العديد من المعوقات التي تعرقل من مبادراته لإنشاء هكذا مشاريع، فلا يظل أمامه إلا الاستثمار المباشر في العقارات، أو في الأسهم.
على أن هناك عبرة أخرى نستخلصها من التحول المستمر في توجيهات حضرة صاحب السمو الأمير المفدى بشأن القطاع الخاص، وهي حرصه الشديد على تفعيل دور هذا القطاع ودعمه بما يلزم للقيام بأنشطته في مناخ تسوده العدالة الاقتصادية، والمساواة حتى يتمكن من النجاح تلو النجاح، ومن مضاعفة أرباحه سنة بعد أخرى.
وهذه العبرة نجدها لا تزال غائبة عن أذهان بعض المسؤولين في أجهزة الرقابة الحكومية، فيعملون على تعطيل القافلة عن المسير لأتفه الأسباب، ويصدرون تعليمات بالمنع أو الرفض أو حتى التصفية لمشروعات ناجحة، إما بحجة مخالفة قوانين أو تعليمات لم يكن لها وجود في السابق، أو للرغبة في النأي بالنفس عن اتخاذ أي قرارات قد يترتب عليه مخاطر أو مسؤوليات.
هذه المواقف التي لا نزال نسمع عنها بين الحين والآخر من جهات حكومية مختلفة، يجب أن تتوقف، وأن يأخذ أصحابها العبرة من توجيهات حضرة صاحب السمو الأمير، ومن سعي معالي رئيس مجلس الوزراء النشط في كل الاتجاهات، لتغيير الصورة النمطية بشأن العمل الحكومي.
ولذلك يجب أن لا ننتظر كثيراً حتى تتحول توجيهات سموه إلى واقع ملموس، وأن يتم الإعلان قريباً عن الجدول الزمني المحدد الذي طالب به سمو الأمير، لتحويل بعض الشركات الحكومية إلى شركات خاصة،،، وسنعود إلى هذا الموضوع ثانية في مقال آخر في المستقبل لأهميته الكبيرة،، ولمتابعة ما طرأ عليها من تقدم في تنفيذها.