هناك حكمتان اغريقيتان تقولان ان من يفكر فى الأسوء فان نظرته سديدة ، وأن الحاجة هي أقوى الامور التى تدفع صاحبها لاقتحام الاهوال.
ومن المؤكد ان الاحفاد اليونانيون قد التزموا بحكمة الاجداد حينما ذهبوا الى استفتاء يوليو ورفضوا باغلبية كبيرة تزيد عن 61 % حزمة الانقاذ الاوروبية ليصدروا (لا) كبيرة لبروكسل معلنين رفضهم الواضح للسياسات الاوروبية اتجاهم والتى لن ولم تتسبب الا فى مزيد من الافقار والبطالة لهم وذلك على مدار 6 سنوات متواصلة دون حل لازمتهم المستمرة حتى اليوم.
فمع تجديد اليونانيون ثقتهم في أحزاب اليسار منذ بداية الأزمة بداية من حزب سانوك ومرورآ بحزب الديموقراطية الجديدة وانتهاءً بحزب سيريزا بزعامة رئيس الوزراء الحالي اليكسيس تسيبراس، الا أن تسيبراس اختار حلآ مميزآ وهو اللجوء الى استفتاء شعبي يلقي به الكرة في ملعب اليونانيون ليتحملوا معآ النتائج.
ويعززوا من قوة تفاوضهم مع بروكسل.
ومنحه اليونانيون ما يريد ولم يستغل نتيجة الاستفتاء التي جاءت لصالحه الا بخطاب تصالحي مع أوروبا وتأكيده على رغبة اليونان في البقاء ضمن اليورو ولكن مع مراعاة مصالح اليونانيون الذين أصبح حوالي 30% منهم يعانون البطالة، وترتفع النسبة الى مستوى 60% بين الشباب في الفئة العمرية 15 – 24 عامآ، وما لذلك من تبعات سياسية واجتماعية واقتصادية خطيرة وارتفاع معدلات الهجرة الى أوروبا التي تدفع الثمن أيضآ.
وتتمثل المشكلة اليونانية فى حجم الديون الضخم الذى وصل الى قرابة 360 مليار دولار تمثل 180 % من اجمالى الناتج القومى اليونانىوهو ما تعجز عنده اليونان على الاعتماد على مفردها لسداد هذا الدين.
على الرغم انه قد تم اعادة جدولة 119 مليار دولار من ديون اليونان عام 2012عن طريق استبدال السندات القديمة باخرى جديدة لمدة 30 سنة بفائدة متغيرة تتراوح ما بين 2 – 4.3 %.
ومن المتوقع وفقا لصندوق النقد الدولى ان تحتاج اليونان الى مساعدات مالية جديدة بقيمة 40 مليار دولار، هذا بالطبع ان كانت اليونان قد وافقت على حزمة الانقاذ التي رفضتها في الاستفتاء.
وتتفق خطط الانقاذ التي قدمها الاوروبيون وصندوق النقد الدولي على ضرورة تخفيض حجم الجهاز الاداري وتخفيض المرتبات والمكافآت والمعاشات وخصخصة المطارات بما فيها مطار أثينا والموانئ والطرق الرئيسة ، وهو ما لم تنفذ منه اليونان (لحسن الحظ) سوى 6% وفقآ لصندوق النقد الدولي.
وعلى الرغم من الرفض اليوناني الكبير لخطط الانقاذ هذه ووعيد المسؤولين الأوروربيون باخراج اليونان من منطقة اليورو الا أنه بعد ظهور نتيجة الاستفتاء فان الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند أكد على ضرورة الحفاظ على اليونان داخل منطقة اليورو، وكذلك أقر البنك المركزي الأوروبي استمرار القروض الطارئة للبنوك اليونانية لتمويل عملياتها في اليونان والحيلولة دون انهيارها التام بالاضافة الى الدعم الأمريكي لابقاء اليونان داخل منطقة اليورو حيث أن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة دقيقة لا يتحمل معها أزمات جديدة تعصف بالأسواق العالمية أو تثير التوترات هنا وهناك، مما يشكل بداية للتراجع الأوروربي عن النهج المتشدد ازاء اليونان.
هذا بالاضافة الى دخول روسيا في المشهد بشكل يثير قلق الأوربيين والأمريكيين حيث وجهت روسيا الدعوة مؤخرآ لليونان للانضمام الى بنك بريكس للتنمية المزمع انشاؤه برأسمال مال 100 مليار دولار مقسمة بالتساوي على أعضاء المجموعة (البرازيل والهند وروسيا والصين وجنوب أفريقيا) والذي سيختص في عمليات تمويل مشروعات البنى التحتية في دول المجموعة والدول النامية ويوفر بديلآ جزئيآ للبنك الدولي الذي تسيطر عليه الدول الغربية هذا بالترافق مع صندوق احتياط تؤسسه ذات المجموعة برأس مال 100 مليار دولار مقسمة بالتساوي بينهم لمواجهة المواقف الطارئة، وسيبدأ البنك عمله في نهاية عام 2015، وهو ما يعني أن هذه المجموعة تهدف الى دعم انتشارها وتعزيز مكانتها عالميآ وهو ما قد يغري اليونان للتفكير في الاستفادة منهم كبديل جزئي أو على الأقل مرحلي للأوروبيين المتشددين، وهو ما يظل في خلفية المفاوضات بين اليونانيون وأشقائهم الأوربيون.
فاذا أضفنا الى ذلك المتابعة والمراقبة البريطانية لمشاهد ما يحدث ، وكيفية تصرف الأوربيون مع الأزمة اليونانية وهو ما سيمثل عاملآ مهمآ من عوامل صنع القرار لدى المواطن البريطاني في الاستفتاء المزمع عقده في بريطانيا عام 2017 حول ما اذا كان يجب على بريطانيا الاستمرار في الاتحاد الأوروبي أم لا ؟، مع النتائج السلبية الوخيمة على اليورو نفسه حال خروج اليونان من منظومته على الرغم أن الاقتصاد اليوناني لا يمثل أكثر من 2% من مجمل اقتصاد منطقة اليورو، ولكن النتائج السياسية والاجتماعية والمالية ستكون سيئة على مستقبل اليورو ومدى الثقة في استقراره وقيمته في الأسواق العالمية، خاصة وأن دولآ أخرى في أوروبا تعاني من مشاكل هيكلية في ماليتها كايطاليا واسبانيا وايرلندا وان كانت الأمور في هذه الدول عند الحد الأدنى اذا ما قورنت بمثيلتها اليونانية، خاصة وأن بروكسل تخشى أن تظهر موجة من المطالبات من هذه الدول لتقديم تسهيلات اضافية لهم اذا ما تراجعت بروكسل وقدمت المزيد لليونان، أو أن يعطي ذلك اشارة سلبية لبقية أوروبا لتتقاعس في ضبط موازناتها والا يزيد العجز عن نسبة 3% في الموازنات الحكومية المتفق عليها أوروبيآ وهي احدى شروط الاضمام لليورو.
خاصة مع غياب قيادة وآلية مركزية ورقابية أوروبية ملزمة، وهذا الغياب هو أحد الأسباب الرئيسة للأزمة اليونانية الحالية وغيرها من الأزمات في بعض الدول الأخرى كما سبق الاشارة لهم، وهو ما يجب أن يتفهمه الأوربيون ويدركون معه أنهم يتحملون جزءً كبيرآ من المسؤولية لما آلت الأوضاع اليه في اليونان، ويعملوا على عدم تكرارها واعتبار الأزمة اليونانية درسآ استثنائيآ لهم ولمولودهم اليورو الذي كان بحاجة الى أن يتعلم آباؤه الدرس جيدآ ولا يكرروا أخطاؤهم مرة أخرى.
وعليه فانه لابد من ايجاد مجموعة جديدة من الحلول لهذه الأزمة تنطلق من حقيقة أن الجميع في قارب واحد وأن خسارة أحد أعضاء الطاقم حتى لو كان صغيرآ يضيف مزيدآ من الخلل والاضطراب في قارب يبحر في خضم بحر هائج :
1-ايجاد آلية رقابة ومتابعة مركزية وفاعلة وتتدخل لضبط الأمور بشكل استباقي قبل خروجها عن السيطرة ، مع انشاء صندوق احتياط على غرار ما تقوم به مجموعة بريكس يعمل الى جانب البنك المركزي الأوروربي والمفوضية الأوروبية.
2-تنازل المفوضية الأوروبية عن جزء من ديونها المستحقة على اليونان، واعادة جدولة جزء من الديون اليونانية المستحقة لجميع الجهات عبر استبدالها بسندات جديدة على آجال أطول مع دعم البنك المركزي الأوروربي والمفوضية لأسعار الفوائد على هذه السندات.
3-مبادلة جزء من الديون المستحقة على اليونان باستثمارات تضخ في السوق اليوناني عبر الاعفاء من الرسوم والضرائب وتخفيضات في أسعار الأراضي المخصصة لتلك المشاريع الاستثمارية وغيرها من التسهيلات مع تشجيع الاستثمارات الأجنبية والمحلية بصفة عامة، مما يرفع في النهاية من معدلات النمو ويخفض من مستويات البطالة المرتفعة وزيادة حجم الاقتصاد والناتج القومي.
4-رفع الضرائب على الأغنياء وممتلكاتهم الخاصة دون الاستثمارية التي توفر فرص عمل حقيقية كالعقارات والسيارات واليخوت وما الى ذلك.
5-تطبيق زيادات مقبولة في تكلفة الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين على اختلافها.
6-استحداث رسوم وضرائب بسيطة على الخدمات والسلع التي يقدمها القطاع الخاص.
7-استقطاع ما نسبته 1% من المرتبات والمعاشات.
8-العمل على الحصول على قروض طويلة الأجل بفوائد بسيطة من بنك بريكس للتنمية والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وهو ما يتطلب تفاهمات خاصة مع الصين مع تشجيع الشركات الصينية للاستثمار في اليونان وهو ما يمثل فرصة للصين لممارسة دور أكبر على الساحة العالمية ومدخل آخر مهم للشركات الصينية لاقتحام السوق الأوروبي وكذلك الحصول على قروض ومنح حكومية رسمية من روسيا والصين والولايات المتحدة.
9-تطوير أداء مؤسسات القطاع العام ومراقبة أوجه صرف الأموال العامة ومكافحة الفساد بشكل جذري وفاعل.
10-الملاحقة القوية والحثيثة للمتهربين من الضرائب وضمان تحصيل مستحقات الدولة منهم، حيث تشير التقارير الأوروبية الى ارتفاع معدلات التهرب الضريبي في اليونان.
11-العمل على تشجيع السياحة من خلال تقديم برامج سياحية جديدة منخفضة التكلفة بهدف جذب أعداد أكبر من السائحين وزيادة عدد الليالي السياحية في اليونان.
12-زيادة ضرائب أو جمارك التصدير على الصادرات اليونانية ذات الميزة النسبية كالزيتون وزيت الزيتون وغيرهما.
13-بحث المجالات والقطاعات التي يمكن للمواطن اليوناني أن يتحمل فيها مزيد من الخفض للدعم الحكومي ولو بشكل مؤقت.
14-بيع نسبة لاتزيد عن 30- 40% من بعض مؤسسات وشركات القطاع العام لصناديق ومؤسسات استثمار محلية وعالمية يشترط فيها بداية السمعة المتميزة في مجالات الاستثمار والتنمية والادارة وعبر مناقصات عالمية، وتحويل حصيلة البيع لسداد جزء من الديون.
15-طرح مجموعة جديدة من الاستثمارات أو اعادة تخصيص مشاريع حكومية قائمة بنظام ال B.O.T (DUILD&OPERATE&TRANSFERE) التشغيل والادارة واعادة نقل الملكية، مما يرفع معدلات النمو وتحويل حصيلة البيع لسداد جزء آخر من الديون، وتمويل الالتزامات الحكومية تجاه مواطنيها.
16-قيام الحكومة اليونانية وأحزاب المعارضة بالتأكيد على التكاتف وأنهم جميعآ معآ في مواجهة الأزمة والتأكيد على جديتهم في مواجهة الأزمة والولوج باليونان وأوروبا نفسها الى عصر جديد عنوانه اقتصاد أوروبي أفضل وأكثر عدالة ويورو أقوى وأكثر استقرارآ.