درجت الثقافات الاجتماعية في جميع الأديان بمذاهبها و مللها على أن المناسبات الدينية حالة اقتصادية استثنائية ليست متكررة كما هو الحال لدى المسلمين في رمضان، حيث يتسابق أفراد المجتمع على توفير احتياجاتهم من الطاعم والشراب مما قد يتجاوز الحاجة، لتصبح هذه المشتريات ما بين موائد مهدرة مصيرها إلى صناديق النفايات أو أن تتراكم في المستودعات حتى تتعفن داخل الأدراج والحافظات التي لا تراها الأسرة طوال السنة إلا في رمضان. ولكم أن تتخيلوا حجم هذا الهدر الذي لا يوجد له وصف إلا الجهل والتخلف وعدم الخشية من حرمان النعمة!
وللآسف أن بعض وسائل الاعلام تمارس دور الراعي الرسمي لهذه الظاهرة المستفزة، من خلال الحملات الإعلانية التي تزداد شراستها ومزاحمتها للبرامج التلفزيونية في هذا الشهر الفضيل، دون أن تساهم غالبية هذه الوسائل أو حتى الجهات المعنية في إعلان واحد ينمي وعي المستهلك تجاه عملية ترشيد الإستهلاك، فضلاً عن العبث بالنعم بأسلوب مبالغ فيه مما جعل شهر الطاعات لدى البعض ما هو إلا موسم الاستعراض بالطعام والشراب وليس شهر عبادة!
في الحقيقة أن هذه القضية يتم إثارتها وتسليط الضوء عليها في كل سنة باعتبار أنها قضية متكررة، بل تزداد حجماً من سنة إلى أخرى، إلا أننا في المقابل لا نجد من الجهات المعنية أو المختصين في قضايا حماية المستهلك والجهات الأخرى المعنية بالتوعية الغذائية والصحية أي جهود ملموسة خلال العام للحد من هذه الممارسات التي تجاوزات جميع الأوصاف وخاصة حينما نعلم بأن بعض المستهلكين في بعض الدول العربية يصل استهلاكه إلى ١٥٠٪ في شهر رمضان.
وعلى المستوى الصحي فقد أظهرت دراسات طبية في إحدى الدول العربية الشقيقة بأن حوالي ٣٥٪ من الرجال يزداد وزنهم في شهر رمضان وترتفع النسبة لدى النساء الى ما يقارب ٦٠٪. هذا المؤشر الخطير ربما يفسر أسباب تزايد أمراض السكري والكولسترول والأمراض الأخرى الناتجة بسبب زيادة الوزن والإفراط في تناول الغذاء.
أماعلى المستوى الاقتصادي فإن الإستهلاك الغير مبرر في رمضان والذي بلغ العام الماضي ٢٠ مليار ريال , تجد بأن هذا الإنفاق ينخفض بشكل ملحوظ الى ٨ مليار ريال في الشهور الأخرى، مما يتسبب ذلك في نشوء أزمة مالية لدى أغلب المستهلكين بسبب زيادة الإنفاق عن المعتاد بنسبة تصل إلى ٧٠٪ والذي ربما ينتج عنه قروض أو إلتزامات مالية تزيد من عبئ الأسرة، وخاصة في ظل الافتقار لمفهوم الإدخار وإعادة استثمار الدخل والأهداف المالية التي تساعد على ترشيد الإستهلاك في أصغر نطاق ممكن.
لا شك بأن ثمة مستفيدون من هذا الوضع المتفاقم في كل عام، خصوصًا في ظل غياب برامج ووسائل التوعية الإجتماعية، ولا يستبعد على أن يكون لبعض وسائل الإعلام أو الإعلان دور في منع تنمية وعي المواطن باعتبار أن هذا الوعي سوف يتعارض مع مصالحهم، ولكم أن تبحثوا عن حقيقة أنشطة وممارسات بعض شركات وسائل الإعلام والإعلان لتتضح الصورة أكثر فأكثر!
و كُلَ عَامٍ و أنْتُم بخَير و رَمضَان كرِيمْ.