تبدأ غالبًا رحلة البحث عن الفرص الوظيفية المناسبة في بدايات المرحلة الجامعية، وتزداد عملية البحث مع تقدم السنوات حتى مرحلة التخرج، وخاصة عندما يستقر الطالب أو الطالبة على التخصص الذي في الغالب "للآسف" يُدفعون إليه مُسيّرين لا مُخيرين، ليتقبّلوا هذا التحدي الجديد الذي يضعهم على مفترق طرق وعرة -بل مظلمة- لعدم انسجامها مع رغباتهم!
و من الملاحظ بأن عملية البحث تبدأ غالبا من خلال الحديث عن التخصصات التي تتمتع بطلب عالي في سوق العمل، ثم ما هي المزايا المالية التي تقدمها المؤسسات والشركات، دون الأخذ في الاعتبار المعايير الأخرى التي لا تقل أهمية إن لم تكن ذات أهمية قصوى عن معيار التخصص والمزايا المالية.
من هذه المعايير ثقافة وسلوك المؤسسة أو الشركة والتي تنعكس بصورة مباشرة على بيئة العمل، والاهتمام بالتدريب والتطوير، ووجود نظام داخلي متكامل يوضح ويحدد إطار العمل، إضافة الى الفرص المستقبلية التي تتيحها الشركة لموظفيها.
وفي المقابل – يمكن ملاحظة عمق الفجوة – تفتح بعض الشركات أبوابها لاستقبال بعض الخرجين الجدد ويتم تسكينهم مباشرة في وظائفهم دون الأخذ في الاعتبار أهمية التدريب والتعريف بالعمل الجديد، فضلا عن معرفة الموظف الجديد بالأوصاف والأهداف الوظيفية! حتى أن بعضهم قد يمضي الأشهر وهو لا يعلم ماذا يعمل أو ما الهدف من العمل الذي يقوم به!
لا شك بأن هناك خلل وفجوة عميقة يتحمل مسئوليتها المؤسسات التعليمة من جهة، باعتبار أن الطالب أو الطالبة يتم تخريجهم دون تأهيل افتراضي لسوق العمل، وفي الجانب الأخر تتحمل المؤسسات والشركات التي تستقطب الخريجين الجدد دون أن توفر لهم برامج تأهيلية على أقل تقدير لمدة ثلاثة أشهر حتى تساعدهم على معرفة وفهم طبيعة إجراءات العمل وتأثيرها على النتائج بأسلوب تدريبي، إما أن يكون بما يعرف بـ "التدريب رأس العمل" أو من خلال برنامج "تدريبي افتراضي" يتم تصميمه بناءً على طبيعة العمل.
بالإضافة على ما تقدم، فإن بيئة العمل المميزة تعتبر إحدى أهم المعايير التي تساعد على منع التسرب الوظيفي، بل تعتبر "أداة الجذب" إن صح التعبير للكفاءات والمهارات التي تبحث عن التميز والإبداع والابتكار. لذا أصبحت بعض الشركات العالمية في السنوات الأخيرة تخصص ميزانيات ضخمة للاستثمار في الطاقات البشرية والرقي ببيئة العمل، بعد أن لمست جدوى هذا الاستثمار وتأثيره المباشر على أرباح الشركة من خلال صناعة ما يعرف بـ "الولاء الوظيفي".
ولعل الجميع أطلّع على قصة رجل الأعمال الصيني الذي اصطحب ٦٤٠٠ موظف من أصل ١٢ ألف؛ معه في رحلة إلى باريس "مدينة العشاق" كما وعد البقية الذين لم يصطحبهم في هذه الرحلة برحلة مفاجأة سوف تدخل السعادة في قلوبهم!
وفي عالمنا العربي الجميل أكاد أجزم بأن ٩٩٪ من العاملين يفتقدون لهذا الولاء وأن من تبقى من هذه النسبة ١٪ لا يزالون في نزهة على حساب صاحب المنشأة في منطقة الربع الخالي و لم يتخذوا القرار بعد!
لاسف الاغلب فينا يتخرج بشهادة ويعمل في عمل لا علاقته با الشهادة والامثلة كثيرة