الصندوق السيادي وجامعة هارفارد

01/06/2015 4
د.عبد الوهاب أبو داهش

الدراسة التي أعدتها جامعة هارفارد عن الصناديق السيادية، ومنها صندوق استقرار مالي وصندوق ادخار للمملكة، ليست مجرد رأي يطرح، بل أنها إضافة مهمة لأدبيات الاقتصاد السعودي، ومقترح عملي مهم يجب النظر إليه بجدية بالغة.

فسواء نتفق أو نختلف مع النتائج التي توصلت إليها الدراسة، فإن من المهم إعادة رسم السياسات النقدية والمالية والاستثمارية للمملكة، لقد كتبت عن ضرورة وجود صندوق سيادي منذ خمس سنوات، وكتبت عن ضرورة وضع استراتيجية واضحة لإدارة الاستثمارات الحكومية عند بروز مقترح إنشاء شركة سنابل قبل ثلاث سنوات، وكتبت عن ذلك في بداية العام الحالي لأهمية تنويع مصادر الدخل المالي للحكومة، وضبط الإنفاق بمنأى عن التذبذب الحاد في أسعار النفط، ودراسة هارفارد قدمت نموذجا ماليا وتنظيميا محتملا لإنشاء صندوق سيادي يخفف الاعتماد على النفط ويرفع من مستوى المدخرات للجيل القادم، ما يجعل الإطار الذي قدمته هارفارد مدخلا مهما لدراسة إنشاء صندوق سيادي، خصوصاً وأنه تم فصل صندوق الاستثمارات العامة عن وزارة المالية وأصبح تحت إشراف مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية مايمهد لتغيير محتمل في سياسة الاستثمارات السعودية.

ولأن جدول مجلس الاقتصاد والتنمية منوط به العديد من القضايا الاقتصادية والمالية والتنموية فإن وجود مجلس أمناء لصندوق سيادي حكومي أصبح أكثر إلحاحاً في هذا الوقت ليكون ذراعاً استثمارياً ومصدر دخل مهم للحكومة المستقبلية في حال تراجع أسعار النفط أو نضوبه المحتمل، وفي اعتقادي أن آلية إنشاء الصندوق السيادي والتي تعرضت لها الدراسة قد يتم تعديلها بما يتوافق والوضع المالي والاستثماري الحالي للمملكة.

ويمكن البدء بصندوق الاستثمارات العامة بتحويله إلى صندوق سيادي بدون التعرض للاحتياطيات المالية الموجودة في مؤسسة النقد، مع وضع سياسات مالية للإنفاق الحكومي تتسم بالانضباط، وتحويل نسبة محددة -يمكن تقديرها- من عائدات النفط للصندوق السيادي بشكل سنوي، وإعادة استثماره من خلال الصندوق السيادي، على أن تبقى موجودات مؤسسة النقد كصندوق لدعم الاستقرار المالي بضوابط وسياسات جديدة تضمن استقلالهما.

ويمكن أن تتحول الحكومية كعميل (زبون) للصندوق السيادي وصندوق الاستقرار المالي في حال احتياجها للاقتراض، ويمكنها التوجه للبنوك المحلية أو السوق المالية المحلية أو أسواق المال العالمية للاقتراض إذا كان الاقتراض هو أفضل الخيارات لها، وبذلك يمكن وضع سياسة إنفاق واستثمار وادخار تتناسب مع دينامكية الأسواق بما في ذلك أسواق النفط التي ستكون المؤشر المرجعي للحكومة للإنفاق وطرق سداد العجز أو استثمار الفائض ليخدم الأجيال القادمة، وبهذه الطريقة يمكن أن ندعم التحول في السياسة النفطية السعودية التي يبدو أنها تتعايش أيضا مع عوامل السوق كما هو متبع حالياً في ضخ الكثير من النفط للحفاظ على حصتها السوقية، وتبدو السياسة النفطية الحالية مواتية أيضا في هذا الوقت بالذات عطفاً على تكاليف النفط الحالية المتدنية مقابل التوقع بارتفاع تكاليفه مستقبلاً، ما يعكس واقعية السياسة الحالية للنفط.

لذا فإن إعادة رسم السياسة المالية والاستثمارية للحكومة يجب أن يكون مواتياً للتغيرات المستقبلية للسوق النفطية، وليس فقط تقليداً للدول التي تبنت الصناديق السيادية، فالسياسة النفطية السعودية تخلت نهائياً عن المنتج المرجح التي عانت منه كثيراً -وسيثبت اجتماع يونيو القادم ذلك-، وأصبحت تتعامل مع لغة الأسواق والأسعار، ولن تنجح هذه السياسات ما لم يدعمها سياسة مالية واستثمارية جديدة تعتمد على ديناميكية أكثر انضباطاً وتتعامل مع لغة الأسواق المالية والاستثمارية؛ والصندوق السيادي هو أفضل الحلول في هذا الوقت.

نقلا عن الرياض