أعطى القانون رقم 141 لسنة 2014 والخاص بتنظيم نشاط التمويل متناهي الصغر في المادة السابعة له الحق لمجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية أن يضع قواعد مشاركة مؤسسات التمويل متناهي الصغر المصرية في نظام الاستعلام الائتماني وعلية قامت الهيئة بإصدار القرار رقم 31 لسنة 2015 بشأن قواعد ومعايير ممارسة نشاط التمويل متناهي الصغر والتي ألزمت مادته الثانية والعشرين مؤسسات التمويل متناهي الصغر بالاستعلام الائتماني للعملاء الذين يتجاوز قيمة قرضهم 1500 جنيهاً سواء كان التمويل فردي أو جماعي.
وبالرغم من أهمية الاستعلام الائتماني حيث يعد أداه لتحديد درجة المخاطر المرتبطة بعدم سداد إلتزامات العميل المستقبلية، إلا أنني كممارس للصناعة لا أرى له أهمية كبيرة في التمويل الجماعي حيث أن فكرة التمويل الجماعي تقوم بالأساس علي الضمانة الجماعية للأفراد الحاصلين علي القرض بعضهم لبعض وهي ضمانه تكفي جداً لمقابلة مخاطر عدم السداد ولا يوجد ما يستدعى زيادة تكاليف التمويل علي الفئات الأقل دخلاً، وأيضاً أري أنه في التمويل الفردي لا يوجد ما يستدعى بالقيام بالاستعلام الائتماني للعميل صاحب القرض أقل من 5000 جنيه حيث أن أغلب هؤلاء العملاء من الفئات الأقل دخلاً الذين لا يتعاملون مع الجهاز المصرفي في الأساس.
وبالرغم من تلك الاعتبارات فسمعاً وطوعاً .. ولكن كيف يلزم القانون وقراراته الملحقة به والصادرة من مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية مؤسسات التمويل متناهي الصغر بالاستعلام الائتماني للعميل المتقدم للحصول علي تمويل في سوق يتصف بالاحتكار حيث أنه لا يوجد بمصر كلها غير شركة واحدة لتقديم تلك الخدمة وهي الشركة المصرية للاستعلام الائتماني.
والسؤال المطروح فعلاً للمناقشة هو لماذا لا يوجد سوى تلك الشركة في السوق المصرية ؟؟!!.
وللإجابة علي هذا السؤال نعرض أولاً الوضع التشريعي لشركات الاستعلام الائتماني فقد نظمت المواد 67 مكرراً ، 97 ، 99 ، 100 ، 101 ، 123 ، 124 ، 135 بقانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد رقم ٨٨ لسنة ٢٠٠٣ المعدل بالقانون رقم ٩٣ لسنة ٢٠٠٥ الاطار التشريعي الذى ينظم الترخيص لشركات الاستعلام والتصنيف الائتماني، وتنظيم عملها ونظام رقابة البنك المركزي عليها وقواعد تبادل المعلومات والبيانات فيما بين البنك المركزي والبنوك وشركات التمويل العقاري وشركات التأجير التمويلي وشركات الاستعلام والتصنيف الائتماني كما تم الموافقة علي قواعد واجراءات وشروط الترخيص لشركات الاستعلام والتصنيف الائتماني من قبل البنك المركزي بجلسته المنعقدة يوم 17 يناير 2006.
وفي حقيقة الأمر فإن تلك المواد السابق ذكرها لا تمنع بأي حال من الأحوال وجود شركات متعددة لتقديم خدمات الاستعلام الائتماني إذاً فالأمر لا يتعلق بالوضع التشريعي.
وعند البحث وجد أن السبب الرئيسي (من وجهة نظري كباحث) لعدم وجود شركة اخري للاستعلام الائتماني في مصر سوى الشركة المصرية للاستعلام الائتماني هو ان المساهمين في الشركة المصرية للاستعلام الائتماني (شركة مساهمة مصرية تم تأسيسها عام 2005 برأس مال 30 مليون جنية) هم 25 بنك وهم أغلب البنوك العاملة في مصر هذا بالإضافة الي الصندوق الاجتماعي ومن المنطق أن من يريد الحصول علي تلك الخدمة سوف يحصل عليها من تلك الشركة مما أدى الي عدم الحاجة الي وجود شركة أخري.
ومن الغريب أنه يوجد أمر للبنوك من محافظ البنك المركزي بتاريخ 2 يونيو 2008 يتضمن إلزام كافة البنوك وشركات التمويل العقاري والتأجير التمويلي أنه عند الاطلاع علي المعلومات والبيانات الائتمانية الخاصة بمديونيات الأفراد الطبيعيين (دون حد أقصي) يكون هذا من خلال الشركة المصرية للاستعلام الائتماني فقط.
إن الأمر برمته يشكل علامات استفهام واحدة تلو الأخرى ولكن هل يمكن أن يتعلق الأمر بالأمن القومي بالاطلاع علي السجلات الائتمانية لعملاء البنوك؟..
وسوف نجيب علي هذا السؤال فإن تعدد شركات الاستعلام الائتماني في السوق ما هو أمر لا يتعلق بالأمن القومي لتلك الدولة فهي صناعة مصرفية والدليل علي ذلك انه يعمل بتلك الصناعة شركات عالمية تعمل كلا منها في أكثر من دولة فنجد مثلا شركة Experian تعمل في دول (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، الهند ،استراليا ، المغرب، جنوب افريقيا)، كما أن تلك الصناعة تدار في بعض البلاد بممارسات بعيده عن ممارسات الاحتكار فمثلاً يقدم تلك الخدمة في الولايات المتحدة عدد ستة شركات وفي انجلترا عدد ثلاث شركات وفي الهند عدد أربع شركات وفي استراليا عدد أربع شركات .
في نهاية المقال فالأمر متروك للبنك المركزي لدراسة وجود آلية ما لتنظيم سوق خدمات الاستعلام الائتماني كما أنه يجب إعادة النظر في إجراءات إلزام مؤسسات التمويل متناهي الصغر بالاستعلام الائتماني في ظل احتكار الاستعلام الائتماني.