بعد الخسائر المتراكمة التي لحقت بنحو 70 في المائة من شركات التأمين العاملة في السعودية خلال السنوات الماضية، والتي كانت إما بسبب حرب الأسعار أو لسوء الإدارة أو غير ذلك، مما أدى إلى تآكل الجزء الأكبر من رؤوس أموالها، خاصة بعد إلزام شركات التأمين من قبل مؤسسة النقد بوضع احتياطيات فنية لتتوافق مع الأنظمة والتعليمات الرقابية، وأصبحت تلك الشركات مهددة بوقف تداول أسهمها، مما جعلها تحت سيف مسلط على رؤوسها من هيئة السوق المالية والمساهمين الذين يطالبون بالأرباح.
لقد كان الخيار الأفضل أمام المتعثر من شركات التأمين اللجوء إلى الاندماج مع شركات أخرى من أجل وقف مسلسل خسائرها وتعديل أوضاعها أو الخروج من السوق، وبما أنه لم يحدث لدينا أي سابقة في خروج شركة مساهمة عامة من السوق المالية وإعلان إفلاسها أو حدوث اندماج طوعي بسبب عدم ثقة هذه الشركات بوجود مزايا نسبية متوقعة للكيانات الجديدة بعد الاندماج. فقد اتجهت شركات التأمين إلى رفع رؤوس أموالها لكي يكون مستوى الخسارة بعيداً عن الحد غير المسموح به من رأس المال كي لا يتم وقف تداول اسمها، كما حدث بالفعل لعدد من الشركات سواء في قطاع التأمين أو من خارجه... ولكن هل رفع رأس المال ممكن أن يكون حلا بالفعل أم «هروب» من الإيقاف من قبل هيئة السوق المالية؟
اليوم ونحن أمام هذا الحدث المهم في مسيرة قطاع التأمين السعودي وأمام هذه النخبة من القائمين عليه وقياداته وقد رفعت أغلب شركات التأمين المتعثرة رأسمالها وجمعت ما يكفيها من الأموال ـ حسب طلبها ـ فإننا نطرح سؤالا مهما: وماذا بعد رفع رأس المال؟
على شركات التأمين التي رفعت رؤوس أموالها وتجاوزت الخطر الاستفادة من تجاربها السابقة لبناء سمعة جيدة من خلال الوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها، والعمل مستقبلا على تنويع مصادر الدخل وإيجاد منتجات تأمينية جديدة ومبتكرة للتغلب على انخفاض دخلها، وهذا كفيل بتحقيق الأرباح أو على الأقل المساعدة في الحد من الخسائر وتقليصها إلى أضيق الحدود وحفظ حقوق مساهميها.
إن التحدي الحقيقي أمامها هو كسر حالة الجمود التي تشهدها سوق التأمين المحلية بسبب انحسار الدخل من منتجات التأمين الإلزامية، وذلك بالعمل على تصميم منتجات تأمينية ضد أخطار جديدة خاصة بعدما استنفدت الشركات إمكانيات التطوير في المنتجات التأمينية التي تقدمها حالياً، مع التشابه الكبير في المزايا التي تقدمها الشركات العاملة في قطاع التأمين بشكل عام وتراجع أسعار هذه المنتجات بسبب المنافسة.
تركيز شركات التأمين التي رفعت رؤوس أموالها أخيرا على منتجات محددة والدخول في منافسة مع «الاختصاص» لن يجعلها في مأمن عن الخطر ولن تكون بعيدة عن عنق الزجاجة الذي خرجت منه للتو، ولربما تعود إليه ويتآكل رأسمالها مجددا.
نقلا عن الجزيرة
برأيك لماذا بوبا وميدغولف والتعاونية ناجحين بشكل اكبر بكثير من الآخرين؟