خلال ندوة، لمنتدى التنمية الخليجي، عُقِدت في الكويت نهاية الأسبوع الماضي، أُثيرت مسألة الاتحاد الخليجي المطروحة منذ سنوات وإمكانية تطبيقها في المستقبل القريب في ضوء العوامل الإيجابية المحفزة والعراقيل المتوقعة.
وفيما تظل مسألة الاتحاد السياسي بين بلدان الخليج صعبة نظراً إلى تباين الأنظمة واختلافها، هل يمكن الوصول إلى تكامل اقتصادي وفق الاتفاقات الموقعة، ومنها اتفاقات الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والوحدة النقدية، والتي لم يكتمل تطبيقها؟
أمام دول الخليج فرص للعثور على آليات مختلفة لتطوير العلاقات الاقتصادية في ما بينها، أهمها تطوير الترابط في الخدمات والمرافق، وذلك من خلال حفز الإدارات لتنفيذ خطط الربط الكهربائي ومشاريع المواصلات مثل خطوط السكك الحديد وغيرها من وسائط النقل العام وتنفيذ مشاريع الطرق السريعة. ولا بد من تعزيز السياحة البينية بما يزيد التواصل ويمكّن من الاستفادة من الإنفاق السياحي داخل حدود المنطقة.
وثمة أهمية لتطوير الخدمات التعليمية من خلال الارتقاء بمستويات الجامعات ومعاهد التعليم العالي والتعليم المهني لاستيعاب الأعداد المتزايدة من أبناء المنطقة الساعين إلى التحصيل التعليمي وذلك من خلال شراكات مع جامعات عالمية.
ولا شك في أن التعليم النوعي الجيد سيؤدي إلى تحسين كفاءة اليد العاملة الوطنية الخليجية في مختلف دول المنطقة ويعزز قدرتها على رفع نسبة مساهمتها في مؤسسات القطاعين العام والخاص.
أما الخدمات الصحية أو العلاجية فثمة إمكانيات مهمة لتطويرها، على رغم من تحسن هذه الخدمات في عدد من البلدان الخليجية وبمساهمات مهمة في القطاع الخاص. ويبدو أن الطلب على هذه الخدمات في تزايد بعد تكاثر العديد من الأمراض العصرية والناتجة عن سلوكيات وعادات الترف الاستهلاكي.
لدول مجلس التعاون الخليجي أهمية اقتصادية كبرى إذ يبلغ عدد سكان المنطقة 47 مليون شخص، من ضمنهم الوافدون، ويصل الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول إلى 1.6 تريليون دولار، ولذلك فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى 33 ألفاً و300 دولار.
وربما يعود هذا المستوى من الناتج المحلي الإجمالي إلى ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات العشر الماضية. ويبدو أن بلدان المنطقة لم تتمكن من تعزيز درجة التنوع الاقتصادي اعتماداً على الثروة المالية التي حققتها الأسعار المرتفعة للنفط إذ كان ممكناً إنجاز إصلاحات بنيوية خلال العقد الماضي في ظل إمكانيات مالية جيدة والعمل على توسيع دور القطاع الخاص وتمكينه من أن يؤدي دوراً مؤثراً في تنمية مختلف القطاعات الاقتصادية.
ومع بطء الإصلاح الاقتصادي، ارتفعت مستويات الإنفاق العام، خصوصاً الجاري، بمعدلات تتراوح بين 10 و15 في المئة سنوياً ما زاد مظاهر الريعية. وتزايدت أعداد الوافدين إلى مستويات قياسية ما أبطأ عملية إصلاح التركيبة السكانية وأسواق العمل.
يُذكر أن نسبة العمال الوافدين في بلدان الخليج ازدادت إلى مستويات غير مسبوقة في أي من بلدان العالم الأخرى فهي تتراوح بين 50 في المئة من إجمالي السكان في السعودية و90 في المئة في الإمارات وقطر. وليست هذه اليد العاملة ناتجة عن احتياجات اقتصادية مجدية إذ يُوظَّف معظمها في أعمال هامشية، ولذلك فإن أكثر من 75 في المئة من العاملين الأجانب هم من ذوي المستويات التعليمية المتدنية ولا يتمتعون بمهارات مهنية متميزة.
تتطلب عملية التكامل الاقتصادي وعياً بأهمية تعديل القوانين والأنظمة الحاكمة للعمل الاقتصادي وتوفيقها لتسهيل الاستثمارات البينية وتوظيف الخليجيين في أي من بلدان المنطقة وتوفير أنظمة قانونية تسهل انتقال السلع والبضائع من دون عراقيل لتعزيز التجارة البينية. وربما تكون مسألة إصلاح التشريعات من أهم العوامل اللازمة لتحقيق التكامل الاقتصادي.
وتُعتبَر هذه المسألة أساسية فمن دونها لن تتمكن بلدان المنطقة من تطبيق الاتفاقات المبرمة في ما بينها مثل اتفاقات السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي والوحدة النقدية. أما الإصلاح الاقتصادي داخل بلدان المنطقة فهو من العناصر الأساسية للتكامل إذ ستُعزّز دور القطاع الخاص وتمكينه من المساهمة الفاعلة في الناتج المحلي الإجمالي بما يؤدي إلى ارتفاع درجة المصالح المشتركة مع بلدان المنطقة الأخرى ويرتقي بدرجة التشابك من خلال الاستثمارات البينية والتجارة البينية.
وهكذا يتضح بأن عملية التكامل الاقتصادي بين بلدان مجلس التعاون الخليجي تتطلب مراجعات واسعة للحياة الاقتصادية وتوظيفاً أفضل للإمكانات المالية والبشرية وتوزيع العمل بكفاءة بين القطاعين العام والخاص وتحسين الأوضاع التعليمية بما يتوافق مع إصلاح أسواق العمل في بلدان المنطقة.
وإذا ظلت الأوضاع الاقتصادية معتمدة على دور مهيمن للدولة وبموجب آليات الاقتصاد الريعي فإن إمكانيات التكامل ستظل متواضعة. ومضى نحو 35 سنة على مسيرة مجلس التعاون الخليجي، وقِّعَت خلالها اتفاقات اقتصادية كثيرة، من دون أن تتعزز فرص التكامل الاقتصادي الحقيقية. والآن هناك تحديات تتطلب المواجهة.
نقلا عن الحياة