تحدثت في مقال الخميس عن إدارة الملك سلمان بن عبدالعزيز للوقت والحرص على عدم إهداره، والعمل وفق خطة ومنهج. وأتابع: إن مجموعة القرارات الملكية التي صدرت يوم الخميس تتسم -في تقديري- ببناء ملامح العهد الجديد بعد مضي أيام قليلة على تولي الملك زمام الحكم في وطننا الغالي. ويطول الحديث عن تلك القرارات، لكن من المبرر القول إن العديد من تلك القرارات بدايات سيكون لها ما بعدها، وأوضح أن أعرض مثالاً، فقد دمجت منظومة التعليم في وزارة واحدة، أي أن التعليم العام للبنين والبنات قد دُمج في وزارة مع التعليم العالي، وفي نفس الوقت ألغي مجلس التعليم العالي ضمن ما أُلغي من مجالس.
ويبدو أن هذه مقدمة لإصدار نظامي التعليم العالي والجامعات، اللذين أنجزهما مجلس الشورى منذ ما يقارب الخمس السنوات، ويشملان تعزيز اللا مركزية في التعليم العالي بما يعني مزيداً من الصلاحيات للجامعات في إدارة شؤونها، وكذلك إثراء حياة الطلاب الجامعية ولا سيما الأنشطة اللا صفية بما يساهم في صقل شخصية الطالب الجامعي وتنمية قدراته.
وأحد الطروحات لتعزيز استقلالية الجامعات السعودية إنشاء مجلس أمناء لكل جامعة، يكون المجلس هو السلطة المهيمنة على شؤون الجامعة، يُديرها وفق أنظمة التعليم العالي والنظم المرعية، وفي نفس الوقت يمنحها سمة مميزة ويحفز التنافس العلمي بين جامعاتنا، اللاتي أخذن يصبحن نسخاً مكررة من بعضها البعض.
ومن جهة أخرى، يكون للجهات الحكومية ممثلون في مجلس الأمناء، باعتبار أن المصدر الأساس لتمويل الجامعات الرسمية هو الخزانة العامة للدولة، كما أن مجلس الأمناء سيكون معنياً باختيار القيادات التنفيذية للجامعة، كرئيس الجامعة ونوابه، والارتقاء بالجودة في التعليم والبحث العلمي والاعتماد الأكاديمي لبرامج الجامعة، ويهتم المجلس بأن تكون الجامعة على صلة بما يدور حولها في سوق العمل فتسعى لتخريج طلاب وطالبات وفق متطلبات السوق بما يساهم في تعزيز دور الجامعات في دعم اقتصادنا الوطني، ولا يفوت مجلس الأمناء أن يجعل الصلة برعاية الموهوبين والرياديين من خلال الاستثمار في برامج ريادية وحاضنات بما يساهم في بناء جسور حقيقية بين الجامعة والقطاع الخاص في المنطقة وعلى المستوى الوطني، وهذا سيعني تحفيز هيئة التدريس والطلاب والطالبات السعي حثيثاً لاجتراح حلول عملية لخدمات ومنتجات تحتاجها السوق، وبذلك ندخل الجامعات في نسيج الاقتصاد الوطني دخولاً يعزز ولا يضعف الخصوصية الأكاديمية والبحثية للجامعات بأن يقوي صلاتها البناءة مع المجتمع من حولها، بتوسيع دورها في بناء اقتصادنا الوطني، من حيث المساهمة في إنتاج مخرجات قابلة للتوظيف من جهة، وإنتاج أفكار قابلة للتحول لفرص استثمارية تتحول لمنتجات تؤدي لتحقيق التنوع الاقتصادي.
وأعود لأقول أمراً ندركهُ جميعاً، وهو أن تطوير التعليم يمثل التحدي الأول لقدرة المملكة على النهوض للتحديات على تنوعها، وفيما يتعلق بالشق الاقتصادي، فإن تنمية وتطوير وتوظيف الموارد البشرية السعودية يتطلب المواءمة بين العناصر التي تنتج المخرجات (المؤسسات التعليمية) وبين تلك التي توظفها، إذ أن أحد أعتى التشوهات في سوق العمل السعودية هو أن "الطلب" يتحرك دون أن يعطيه "العرض" كثير بالٍ، فلكلٍ "فلك" يسبح فيه! ولذا، فإن ضبط عناصر المنظومة ضبطاً يواءم بينها غدا ضرورة، لتصبح مخرجات التعليم العام تمتلك التأهيل لمواصلة تعليمها العالي دون صعوبة، وإن واصلت تعليمها العالي في الجامعات ستكون مؤهلة للإبداع والريادة وللحصول على عمل يتواءم مع متطلبات السوق.
وهكذا، فعلى الجامعات أن تتمعن بتبحر وعمق في السوق، فهي مآل طلبتها في نهاية المطاف.
نقلا عن اليوم