مصرف الإمارات المركزي .. لكل داء دواء والوقاية خير من العلاج

17/02/2010 1
محمد سليمان يوسف

قبل ثلاثة أيام أي يوم الأحد الموافق  14/2/2010 كتبت في هنا في أرقام مقالة بعنون البنوك ومعركة السيولة وتحدثت خلالها عن الفجوة القائمة  بين القروض الممنوحة من البنوك الإماراتية والودائع المتاحة  لديها فعليا وذكرت -  بالإستناد إلى بيانات المصرف المركزي -  أن هذه الفجوة شهدت اتساعا في نهاية ديسمبر 2009 مقارنة بنوفمبر من العام نفسه ، وأشرت أيضا  إلى انخفاض القيمة الإجمالية للودائع في نهاية ديسمبر 2009  نحو 20 مليار درهم مقارنة مع نهاية نوفمبر من العام نفسه  - يمكن الرجوع للمقالة – وكنت قد قلت :" من المفترض بالمصرف المركزي أن يشدد قبضته الرقابية وأن  يكون جاهزا وفاعلا لسد الطريق على البنوك التي قد تسول لها نفسها الخروج عن التقاليد والأعراف المصرفية المقبولة" .. فماذاحصل خلال الأيام الثلاثة الماضية؟ .. لقد أثبت المصرف المركزي الإماراتي بما لا يقبل الشك أو الجدل أنه يتعامل مع تداعيات الأزمة المالية العالمية وأثارها السلبية على الإقتصاد الحقيقي بنفس الكفاءة التي تعامل فيها مع الأزمة عندما كانت في طور الاولي وأثارها مقتصرة على أسواق المال والدليل على ذلك نشاطه المكثف هذه الأيام للتقليل من أي آثار سلبية لنقص السيولة على أداء القطاع البنكي الإماراتي ومن خلفه الإقتصاد الإماراتي وفيما يلي نورد ما بعض ما قام به المصرف أمس واليوم فقط مع التعليق.

1- بتاريخ 16/2/2010  أصدر المصرف المركزي الإماراتي بيانا طالب فيه البنوك بتطوير حساب معياري للمخاطر الإئتمانية وحدد في بيانه معايير الملاءة المالية للبنوك العاملة في الدولة ، ولفت نظر البنوك إلى ضرورة الإلتزام بتطبيق الأسلوب المعياري لحساب المخاطرة الإئتمانية ، وحدد الحد الادنى للملاءة المالية عند 11% على أن يتم رفعها لاحقا بحلولي 30 يونيو 2010 إلى 12% ،علما أن اتفاقية بازل 2 تحدد معدل الملاءة المالية المطلوبة من البنوك بـ 8 %  فقط . 

2- بتاريخ 16/2/2010 أعلن المصرف المركزي الإماراتي عن إنجاز  الصيغة النهائية لنظام المخصصات والذي يتضمن العديد من المعايير والتصنيفات الجديدة المقيدة للبنوك منها ما هو مرتبط  بتخفيض مدة التوقف عن السداد للقروض التي تصنف دون المستوى العادي من 180 يوم إلى 90 يوم واحتساب الإحتياطي العام بما يشكل 1.25 % من إجمال الأصول .  ومنها ما هو مرتبط بتصنيف المقترضين من البنوك سواء أكانوا أفراد أم شركات خاصة أو عامة حيث وضع  هذه القروض في خمس مستويات  ( قروض عادية ، قروض تحت المراقبة ، قروض دون المستوى العادي ، قروض مشكوك في تحصيلها ، قروض الخسارة ) وحدد لكل مستوى من هذه القروض فترة زمنية لتوقف السداد يقرر مقابلها نسبة محدد من المخصصات التي ينبغي على البنوك أخذها .. مما يعني أن المصرف المركزي متحفظ على الطريقة الحالية لتعامل البنوك مع القروض وينحى منحا متشددا وبالتالي سيتحتم على الكثير من البنوك بعد إقرار نظام المخصصات تغيير سيساته الحالية .

3- بتاريخ اليوم 17/2/2010 وزع المصرف المركزي الإماراتي على البنوك إرشادات تضمت إلزامها بمرجح مخاطر 100% على للجزء غير المضمون من أي قرض - بما في ذلك قرض رهن سكني مؤهل-  تأجل سداده لأكثر من 90 يوما ، كما حدد مرجح مخاطر 150% على رأس المال المغامر وحدد الضمانات الإضافية للقروض بـ (الأسهم ، السيارات ، العقارات السكنية والتجارية ) . أي أنه تشدد بشأن المخاطر المحتملة والضمانات الإضافية .

4- بتاريخ اليوم أيضا 17/2/2010 عدل مجلس إدارة البنك العربي المتحد توصيته بشأن التوزيعات النقدية من 22% إلى 15 % وذلك تماشيا مع تعليمات المصرف المركزي الإماراتي الذي قيد توزيعات البنوك  بـ ( 50 % للتوزيعات النقدية المحضة و 60 بالمئة إذا تضمنت التوزيعات أسهم منحة وهذه النسب محسوبة من الأرباح الحقيقية الكلية لسنة 2009) ويبدو أن عددا أخر من البنوك سيكون مطالبا بتخفيض توزيعاته النقدية  التزاما بالتقييد الجديد من هذه البنوك  دبي الإسلامي ، الشارقة الإسلامي ، أبو ظبي الإسلامي ، بنك الإستثمار ، بنك الشارقة ، وبنك أم القيوين الوطني .. وبرأي الخاص يعتبر تقييد المصرف المركزي للتوزيعات النقدية حماية للبنوك لنفسها من نفسها هذا إن لم تكن تعلم البنوك أصلا بوجود مثل هذا القرار وبالتالي اعلنت عن توزيعات- لدعم أسهمها في السوق -  مجزية وهي تعلم مسبقا  أنه سيتم تخفيض هذه النسب لاحقا . 

إن المتابع لقرارات وإعلانات المصرف المركزي الإماراتي خلال الشهر الماضي يكتشف بوضوح أنه يقوم بنشاط مهني كبير ومحموم كي تأتي إجراءاته في الوقت المناسب  وقبل أن تقع الفاس الرأس وهذا الأمر يحسب له ويثبت أنه متابع ومراقب عن كثف لتداعيات الأزمة ويحاول وصف الدواء لكل داء ينتج عن الأزمة بالسرعة الممكنة بل ويحاول أن يقدم الوقاية للقطاع المصرفي قبل أن يصاب بالداء لكنه في الوقت نفسه جاهز لمعالجة الداء حتى لو وقع المحظور بسبب تخبط بعض البنوك واندفاعها نحو المخاطر بمبرر و بلا مبرر .