هل السؤال: ما التحديات التي على الملك سلمان بن عبدالعزيز مواجهتها؟ أم أن السؤال: ما الأسلوب والطريقة التي سيواجه الملك سلمان بن عبدالعزيز- يحفظه الله- التحديات بها؟ أدرك أن كلاً يفهم الأمر أو يتناوله من زاويته، ومن زاويتي فالملك سلمان عايش المسؤولية الإدارية منذ مراهقته، ومنح عاصمة الرياض الكثير من الاهتمام، ورسم بالعقود المتعاقبة التي قضاها هناك سمتاً إدراياً يقوم على محاور واضحة وبالغة الأهمية، وهي التواجد الدائم القرب من المواطنين حتى لا يكاد يتوقف عن مقابلتهم في المجلس العام الملحق بمكتبه في قصر الحكم وفي المختصر وفي المكتب، يسمع لهم في شؤونهم، التي قد يراها البعض صغيرة وتفصيلية، فكان يراها بعين أصحابها، كبيرة ومهمة. أذكر في إحدى المرات أن حضرت المجلس بقصد السلام، وكان يقابل الجمهور، فنادوا على رجل، وعندما وقف أمامه، سأله عن أمره، فأخذ المواطن يحكي قصته، فقاطعه الأمير سلمان: ما اسمك؟ فأجاب الرجل، فقال له الأمير: أعرف قصتك، كيف تجرؤ أن تفعل كيت وكيت بحق اخوتك القصر ومع ذلك تأتي لتشتكي؟! ثم أتى الذي يليه والذي يليه، والأمير يسمع بصبر وقد أعدّ العدة لمقابلة الجموع من المواطنين بأن أتاح وقتاً واطلع على القضايا وتفاصيلها. وعلى ذكر الوقت، فملكنا –يحفظه الله- شديد الحرص على الوقت، من جانبين؛ أن يبدأ يومه مبكراً، فأذكر ان أحد المشاريع نُظِمَ حفل افتتاحه من قبل الهيئة العليا لتطوير الرياض الساعة السابعة صباحاً، والجانب الثاني، أنه يبدأ دوامه مبكراً. ولن أبالغ إن قلت انه ينافس أكثر الموظفين حماساً في عدد الساعات التي يقضيها في مكتبه بين أوراقه وموظفيه ومراجعيه. والوقت هو أهم ما يملك الانسان، فالله سبحانه يمنحنا أجلا ثم يحاسبنا -جلت قدرته- فيما قضيناه. كما أن الزمن لا يتوقف، وليس بوسع أحدنا أن يُخزّن الثانية أو الدقيقة قبل أن تَمرّ حتى يستخدمها فيما بَعد. الوقت إما أن تستخدمه أو يتفلت من يديك ويضيع، وتلك الثواني والدقائق في حقيقة الأمر هي أعمارنا.
وكما أن الملك سلمان -يرعاه الله- يتحاور مع المواطن البسيط في أمر تفصيلي، فهو رجلٌ يؤمن بالتخطيط المنهجي، والأهم من ذلك تنفيذ الخطة بعد تمحيصها، وأمامنا تجربة ثرية إبان ترؤسه للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، إذ وضعت الهيئة في عهد المخطط الاستراتيجي نصف-قرني (مداه خمسون عاماً) لينظم تطوير مدينة الرياض على جميع المحاور؛ حضرياً واجتماعياً واقتصادياً، بما في ذلك ما يتصل بالمنافع والنقل، وكان مجلس الهيئة يجتمع بانتظام، ورئيسه لا يترك واردة أو شاردة إلا يعيرها اهتماماً وبعد ذلك يتابعها. وتجدر الإشارة هنا أن الهيئة كانت تتولى بالرصد والتحليل والاستشراف كل ما يهم مدينة شابة سريعة النمو كالرياض؛ بل وتجلب من أجل ذلك أفضل الخبرات والعقول، ومن ذلك موضوع النقل، ولاسيما الحاجة لنظام للنقل العام، الذي كان أحد أهم عناصره إنشاء نظام للقطار الخفيف للتنقل داخل المدينة، وبالفعل رفع عنه، لكن المشروع لم يمول آنئذ.
وكما أن الملك سلمان ينظر بكلِ صبرٍ في المخططات الاستراتيجية التفصيلية المسجاة، فيصُرّ ويتابع حتى تصبح واقعاً حقيقياً، فاهتمامه لم يقتصر على بقعة، بل يشمل الوطن وشؤونه وأهله، وأذكر في إحدى المرات في مكتبه أن تبسم قائلاً: مما يسعدني أن في هذا المكان مواطنين أتوا من كل أنحاء المملكة، وأخذ يشير إلى البعض من الحضور ذاكراً اسمه والمنطقة التي أتى منها.
نعم، أمامنا تحديات وتحيط بنا بؤر توتر، لكننا نُقدم وقيادتنا نهجها: القرب من اهتمامات واحتياجات المواطن، واستشراف المستقبل ومتطلباته استشرافاً منهجياً، ورؤية كل الوطن بعين واعيةٍ وقلبٍ حانٍ وعقل راجحٍ.
نقلا عن اليوم