شبح الضريبة في المملكة

26/01/2015 16
فهد النصار

أحد أطوار التحركات المضادة للثورة الفرنسية كان في عودة لويس الثامن عشر، ورغم ذلك أقر بثمان استحقاقات، أحدها ألا ضريبة دون اقتراع.

بوجه عام   تثير مفردة مكوس أو ضريبة  نفورا اجتماعيا تاريخيا في مجتمعاتنا، يتحقق ذلك إذا أخذت معنى وطابع نقل الأموال من الضعفاء للأقوياء_كأن يأخذ فصيل مقاتل في حرب أهلية نصيبا من أي شئ له قيمة في الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليهاطبعا ليمول فيها جنوده_ يعاكس ذلك نظرة الناس إلى الزكاة ،حيث يرونها ممارسة دينية أخلاقية تأسيسية ،ويلمسون فيها نقل الأموال من الأقوياء إلى الضعفاء، فإذا جردنا الضريبة والزكاة من ارتباطاتها سنجد تشابه في بنيتهما أهمها  إعادة نقل الأموال ، وهكذا فربما إن التوجس والنفور تجاه مفهوم الضريبة يمكن تجاوزه عبر شرط العدالة والتأكد من آليات النقل حيث ترحل الأموال من كل مناطق القوة إلى كل مناطق الضعف.

في تاريخنا هناك لمحات أدركت معنى تطورات العدالة،مثل تحرك عمر بن عبدالعزيز الموحد فيما يأخذه من الأرض سواء كانت ملكيتها تعود لمسلم أو غير مسلم ...كما أن هناك تحليلات تعتبر عميقة جدا في وقتها كإدراك واستيعاب ظواهر مالية أو إنتاجية مثل قول ابن خلدون   : " إذا قلّت الوزائع على الرعايا نشطوا للعمل ورغبوا فيه فيكثر الاعتمار ويتزايد الاغتباط بقلّة المغرم، وإذا كثر الاعتمار كثرت أعداد تلك الوظائف والوزائع فكثرت الجباية التي هي جملتها ". إ.هـ

ويمكن ملاحظة أن تطور تفاعل عناصر الإنتاج التي منها العمل، الأرض، رأس المال أدّى إلى نشوء التباس أو فجوة في فهم الظواهر الاقتصادية في ثقافتنا، ومثال ذلك فإنك في عصر العبودية لا تحتاج إلى كل هذا السجال في التاريخ الحديث حول النموذج الأمثل لنظرية الأجور في العمل، فأنت عمليا في ذلك العصر تملك عبر عبودية الإنسان أهم عنصر في إنتاج أي سلعة أو خدمة.. هذه الفجوة في ثقافتنا تجاه العدالة أو التحليل المتطور أو تفاعل عناصر الإنتاج لم تحدث سجالا تراكميا يجسر الفجوة ويحيل المحنة إلى منحة،ويقود إلى استيعاب أن الضريبة بأنواعها تأخذ معنى مختلف في الدولة الحديثة ذات المحتوى المتقدم عما يخشاه الناس ، وحديثا لامس محمد عابد الجابري فجوات في محددات العقل السياسي العربي  حين وضع أحدها "اقتصاد الغنيمة،" هذه الغنيمة التي تجعل مكونات الدولة تدور في عجلة من نار.

ومع فهم أفضل عن فكرة الضرائب يمكن أن نحيل تفاعلات عناصر الدولة (الناس-السلطه-الإقليم) من استبعاد محتوى الشورى أو الديمقراطية مقابل خفض مورد استراتيجي ومستدام للسياسة المالية كالضرائب، إلى الانتقال إلى مقايضة الضريبة بالاقتراع...وربما أن هذا ما قصده الجابري بالانتقال من اقتصاد الغنيمة إلى الضريبة إن صح فهم مايقوله الجابري.

لعله يترجح بعد ذلك أن الأطروحات التي تدعوا إلى التقدم وفي نفس الوقت إلى استبعاد مرحلة الضريبة ، لا تتجاوز – إن بقصد أم بغير قصد - الإبقاء على اقتصاديات الغنيمة وربما في استمرار حال كهذه فإن مقايضة اقتصاديات الغنيمة بترك تفاعلات عناصر الإنتاج الجديدة تبدو أكثر انسجاما وتصالحاً مع الواقع الإقتصادي .

يقول الطبيب النفسي د.أحمد عكاشة : " أسأل زملائي في الدول الاسكندنافية عن موقفهم من الضرائب التي تصل أكثر من 60% على دخولهم، ويردون بالقول: بما أننا نحصل على الخدمات لا فرق عندنا "،  ألا يعني ذلك أن الأموال تؤخذ منهم عن طيب خاطر! وبنفس المستوى من الفهم لآليات عمل الضرائب يمكن التساؤل عن : ماهو سبب وضع أشد القوانين تجريما في الدول الغربية للمتهربين من الضرائب ؟

وكما أن في السياسة مرجعية حزبية ومرجعية دستورية، فإننا نتطلع إلى أن تكون الضرائب من العناصر الدستورية وما يتفاوض ويتنافس عليه في السجالات الحزبية أو في المشروعات الحكومية   هو : كيف نجعل هذا الاقتطاع والإعفاء الضريبي يؤثر بشكل إيجابي على الاستهلاك والادخار والاستثمار وليصار إلى مجتمع أكثر قوة واستقراراً.