أسعار النفط تدخل في مرحلة تقييم ومراجعة

18/01/2015 0
بشير يوسف الكحلوت

شهد الأسبوع الماضي انعطافاً مهماً على صعيد تراجع أسعار النفط العالمية، ففي حين وصلت الأسعار إلى أدنى مستوياتها  حتى منتصف الأسبوع، وبالتحديد إلى أقل من 42 دولاراً لبرميل نفط الأوبك، وإلى 43 دولار لنفط برنت، إذا بها تعاود الارتفاع يومي الخميس والجمعة إلى 50 دولاراً للبرميل لنفط برنت، مما أثار تكهنات بأن جولة التدهور السريع في الأسعار قد انتهت، وأن الأسابيع التالية قد تشهد ارتفاعا لحين استقرار الأسعار عند مستويات معقولة تعبر عن واقع الحال في موازين العرض والطلب على النفط في الأسواق العالمية. ولأن انخفاض أو ارتفاع أسعار النفط العالمية له انعكاسات بالغة الأهمية على وضع الاقتصاد القطري وعلى بورصة قطر، فإن هذه التطورات تستحق وقفة تأمل لاستشراف مساراتها المحتملة في الأسابيع القادمة.

معروف بداية أن تجارة النفط العالمية تتم وفق  ثلاث آليات مختلفة، فهناك تجارة خام النفط التي تتم بعقود طويلة أو متوسطة الأجل بين المنتجين والمستهلكين، وبأسعار تحكمها صيغ مختلفة بحيث يتغير السعر من شهر لآخر وهو ما يحدث مع صادرات النفوط القطرية التي يتم الإعلان عنها بعد انتهاء كل شهر ميلادي. وهنالك الصفقات المحدودة التي تتم بالأسعار الفورية السائدة وقت إبرام الصفقة، ويكون المقصود منها سد الاحتياجات السريعة. 

بالإضافة إلى ذلك هناك أسواق النفط الآجلة في بورصات لندن ونيويورك وطوكيو وغيرها وهي تتعامل ورقياً بأسعار بعض الخامات تسليم الشهور التالية، ويكون لكل شهر سعر مختلف، بحيث يزيد سعر الشهر الأبعد بما يتناسب مع  المدة ومعدلات الفائدة.

وفي الأسواق الآجلة يكون بإمكان المتعاملين شراء عقود النفط الآجلة ( كل عقد مائة برميل) أو بيعها. ويكون بامكان العميل البيع دون أن يكون لديه نفط أو عقود نفط فعليه، حيث يتولى الوسيط البيع لحسابه، على أن يشتري له في أي وقت لتغطية ما تم بيعه مسبقاً. وتحدث هذه الصفقات الآجلة مع كل السلع الأخرى كالذهب والفضة والقطن والقمح وغيرها.

وتتعامل هذه الأسواق عادة بمليارات الدولارات، وتشكل في حالة النفط أكثر من 95 بالمائة من تجارة النفط العالمية، ولذا فهي تؤثر تأثيراً كبيراً وقوياً وسريعاً على الأسعار. ومن هنا فإنه عندما استشعر المتعاملون في أغسطس الماضي أن هناك فائضاً في المعروض من النفط في الأسواق يزيد عن مليون برميل يومياً، وأن هذا الفائض سيزداد في عام 2015 نتيجة تزايد الصادرات الأمريكية من النفط الصخري، فإن أغلبهم قد تحول إلى بائع للنفط  على الورق في الشهور الآجلة حتى شهر فبراير 2015. وساهمت صفقات البيع المكثفة في إحداث هبوط سريع في الأسعار بحيث خسر سعر الخام أكثر من 50% مما كان عليه في أغسطس. وفي الأونة الأخيرة بدأ التراجع في سعر الخام يتباطأ نتيجة لأن الأسعار وصلت إلى مستوياتها المتوقعة فوق 40 دولاراً للبرميل، ولهذا أقبل المتعاملون على شراء النفط  على الورق من جديد لتغطية ما لديهم من عقود بائعة للنفط، وإلا كان لزاماً عليهم تسليم النفط الذي باعوه على الورق عندما يحين الأجل. ومن هنا حصل  سعر النفط في الأسبوع الماضي على دعم قوي من عمليات الشراء الورقية المشار إليها، فارتفعت أسعار الخام على نحو ما أشرت إليه في بداية المقال.

وستدخل الأسواق في الأسابيع القليلة القادمة في عمليات تقييم ومراجعة لما حدث في الشهور الأربعة السابقة، ولمواقف المصدرين للنفط، بمعنى هل قرر المصدرون خفض صادراتهم من النفط لامتصاص الفائض من الأسواق؟؟ وهل تأثرت المخزونات البترولية لدى المستهلكين سلباً، أو إيجاباً بانهيار الأسعار؟؟،،، وهل انتعش الطلب على النفط في الدول الصناعية نتيجة تراجع أسعاره ؟؟

المعروف أن فشل الأوبك في اتخاذ قرار بخفض الأسعار قد أعطى بائعو النفط في المعاملات الآجلة شعوراً بالأمان كي يحافظوا على ما لديهم من عقود بيع دون أن يضطروا لبيعها قبل اقتراب  أجلها أو شهرها المحدد. وزادت التحليلات السياسية من عمق الأزمة بما أضافته من تنبؤات بأن بعض كبار المصدرين لديهم رغبة في خفض سعر البرميل إلى مستويات متدنية إما لوقف الحقول التي تنتج بتكلفة عالية في الولايات المتحدة، أو لإلحاق الأذى بروسيا وإيران اللتين ساهمت إيراداتهما المرتفعة من النفط في إحداث تغييرات جيوسياسية مهمة على الساحة العالمية.

وعليه فإن ما تبقى من شهر يناير سوف يشهد ارتفاعاً في أسعار النفط كرد فعل لعمليات الشراء الورقية، وتباطأ عمليات البيع الورقية المعاكسة للشهور البعيدة. كما أن ما سيصدر من بيانات مع نهاية الشهر، وبداية شهر فبراير عن مستويات الإنتاج في العالم، وحجم الفائض أو السحب من المخزونات لدى المستهلكين، وما سيصدر عن المصدرين من خطط للتعامل مع الحدث كل ذلك سيحدد مسار أسعار النفط في عام 2015. 

ولكن لأن المصدرين مختلفون في توجهاتهم إزاء الخطوات المطلوبة لحل الأزمة، ولأن المستهلكين متوحدون في ترحيبهم بنتائجها، ولأن السوق لا يزال في حالة فائض رغم برد الشتاء القارس، فإن المراهنة على ارتفاع الأسعار بقوة غير واردة وغالباً ما سيتحرك السعر ما بين 45-65 دولار للبرميل في الأسابيع الثلاثة القادمة......
ويظل فيما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ والله أعلم.