اعتزازاً بغرورها المتعالي وعنادها المتنامي، أقدمت روسيا عنوة على سلخ جزيرة القرم من جذورها الأوكرانية، وأغدقت عليها الدعم السياسي والمالي بما يزيد على ثلاثة مليارات دولار سنوياً، فاندفعت تجاهها دول العالم بكامل قواها وقدراتها لمعاقبتها اقتصادياً، وضماناً لاستمرار مراوغاتها السياسية ومشاغباتها الإقليمية، استمرت إيران في تقديم دعمها الحربي والتقني والمالي للنظام السوري، ليصل عدد المقاتلين الإيرانيين في سورية خلال ديسمبر 2014 إلى عشرة آلاف مقاتل، وليفوق دعمها المالي للحكومة السورية 15 مليار دولار سنوياً، فالتفت حولها دول العالم أجمع لحصارها اقتصادياً.
مع حلول الأيام الأولى من العام الميلادي الجديد بدأت مرحلة غير مسبوقة من التدهور الاقتصادي في دولتي الثنائي المشاغب، روسيا وإيران. فانخفاض أسعار النفط العالمية خلال الربع الأخير من العام السابق من 115 إلى 50 دولارا، وارتفاع الدولار مقابل سلة العملات الرئيسة خلال الأسبوع الأول من عام 2015 بنسبة 0.64%، وتراجع اليورو مقابل الدولار إلى أدنى مستوياته في 9 أعوام بنسبة 0.56% والين الياباني بنسبة 0.79٪، أدى إلى تكبد الروبل الروسي أكبر خسارة له في يوم واحد منذ عام 1998، فتراجع سعره أمام الدولار بنسبة تقارب 9%، إضافة لخسارته خلال العام الماضي بنسبة 60% مقابل الدولار، مما أدى إلى ارتفاع وتيرة التضخم إلى 9%.
كما أدى تراجع أسعار النفط إلى تكبيد الخزانة الروسية خسائر فادحة وصلت إلى 300 مليون دولار يومياً، ليصل العجز بميزانية روسيا في العام الجاري 2015 إلى 109 مليارات دولار، حيث يشكل النفط 80% من عائدات روسيا الهيدروكربونية.
وكان لخسائر البورصة الروسية الفادحة، التي فقدت 40% من قيمتها السوقية منذ منتصف العام الفائت، أبلغ الأثر في انعدام ثقة المستثمرين بالسوق الروسي، إضافة إلى هروب قياسي لرؤوس الأموال الروسية خلال الأشهر الثلاثة الماضية بقيمة 140 مليار دولار، مما دفع وزارة التنمية الاقتصادية الروسية لخفض توقعات النمو الاقتصادي إلى 0.5% لعام 2014 و0.8% لعام 2015، مع قيام البنك المركزي الروسي بزيادة معدلات الفائدة إلى 17% سنوياً.
أما إيران، التي لم تتوقف عن المشاغبة إقليمياً والمراوغة دولياً، فلقد استقبلت العام الجديد وسط معاناة غير مسبوقة نتيجة الخسائر الفادحة لتدهور عائداتها النفطية بنحو مليار دولار شهرياً، وانكماش اقتصادها في العام الماضي بنسبة 5.6%، وانخفاض ناتجها المحلي الإجمالي خلال نفس الفترة من 500 إلى 381 مليار دولار، وتراجع عملتها خلال 6 أشهر من 15 ألفا إلى 27 ألف ريال إيراني لكل دولار أميركي. لذا قامت الحكومة الإيرانية، كردة فعل أغضبت جميع فئات المجتمع الإيراني، بزيادة أسعار الغذاء الرئيسي بنسبة تتراوح من 30% إلى 100%.
قبل انخراطها في المشاغبة، كانت صادرات إيران من النفط والغاز تشكل 80% من عائدات الحكومة، وكانت الزراعة تمثل 23% من الناتج الوطني الإجمالي وتستوعب 28% من العمالة، بينما كانت الصناعة تسهم بنحو 18% من هذا الناتج وتستوعب 25% من العمالة. وقبل تماديها في المراوغة كان احتياطي النفط في إيران يساوي 5 مليارات طن، وكان يعمل في استخراجه معظم الشركات الأجنبية العريقة، لتحتل إيران المركز الأول عالمياً في تصدير النفط والمركز الثالث في استخراجه بعد أميركا وروسيا.
اليوم، بعد عقدين من المشاغبة والمراوغة، تراجعت إيران للمرتبة 140 من بين أكثر الدول في النمو الاقتصادي وتقهقرت إلى المركز 162 في سهولة الأعمال والمرتبة 173 في حرية الرأي. في العامين الماضيين فقط، ارتفعت نسبة التضخم 33% بسبب ارتفاع أسعار السلع بنسبة 90% والسكن بنسبة 83%، وصاحب ذلك ارتفاع نسبة البطالة إلى 26% وانخفاض مستوى دخل الفرد بنسبة 72%.
وفي العام الماضي لاحظ المراقبون انتشار ظاهرة الرذيلة في المجتمع الإيراني، حيث ارتفع عدد قضاياها المضبوطة إلى 42 قضية يومياً، بينما تضاعف عدد العاملين فيها من 230 ألفا إلى 600 ألف امرأة. ويرى المراقبون أن انتشار هذه الظاهرة جاء نتيجة حتمية لفشل سياسات النظام الاقتصادية وانتشار الفساد في المجتمع الإيراني، الذي أدى أيضاً إلى تفاقم عدد المدمنين على المخدرات بنحو مليون ونصف المليون شخص، إضافة إلى تعاطي مليون إيراني آخرين للمخدرات بغرض التسلية.
وبسبب تعنتها في عدم الإفصاح عن برنامجها النووي، تفاقمت العقوبات الدولية ضد إيران، فصدرت خلال العقد الماضي 7 قرارات متعددة الأطراف من مجلس الأمن الدولي و37 قراراً ثنائي الأطراف من الاتحاد الأوروبي وأميركا وأستراليا، لمعاقبة النظام الإيراني، وطالت قطاعات النخبة في الحكومة الإيرانية عن طريق ضرب مصالحهم ودفعهم للضغط على نظامهم السياسي تحت غطاء الشرعية الدولية. وتركزت هذه العقوبات على تجميد أصول إيران وحرمانها من تصدير النفط والغاز وتقليص مبادلاتها التجارية وضبط حركة قطاعاتها الاقتصادية.
طبقاً لصندوق النقد الدولي نجحت "العقوبات الذكية" حتى اليوم في فقدان إيران لما يزيد على 40% من صادراتها النفطية وتراجع إجمالي ناتجها المحلي بنسبة 1% في العام الماضي وارتفاع البطالة بنسبة 25%.
كما أدت هذه العقوبات إلى تراجع الإنتاج الصناعي الإيراني بنسبة 42% والزراعي بنسبة 17%، مما أدى إلى تفاقم فجوة الغذاء في الأسواق الإيرانية في العام الماضي بنسبة 42% وبقيمة 280 مليون دولار، وتراجع مخزون الدواء بنسبة 55%، وارتفاع وتيرة كساد الأسواق بمعدل 32%.
الحروب الاقتصادية اليوم أقوى من كافة الأسلحة التقليدية والنوعية، ومن الاقتصاد ما قتل.
نقلا عن الوطن السعودية
التدخل الروسى فى انفصال القرم اعتبر انتصارا سياسيا بامتياز لروسيا على القوى الغربية وامريكا وكذلك التدخل الايرانى لسوريا كذلك لانه ادى الى تثبيت دعائم النظام السورى بل احكام سيطرة الهلال الشيعى على القوس السنى - للاسف الشديد - ونحن نرى ذلك فى كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان .... مما استتبع ردا امريكبا فكان الرد اقتصاديا بخفض اسعار البترول مما تسبب فى ازمة اقتصادية لكل من روسيا وايران بانخفاض الايرادات وانهيار اسعار العملة ...! صراع سياسى بنكهة اقتصادية فمن انتصر سياسيا عوقب اقتصاديا ....!!
المسألة ليست سياسة بل اقتصاد بحت، ومن السهل الآن النظر إلى النتيجة والاستناد إلى نظرية المؤامرة التقليدية! إذا يمكن لنا أن نقول أن الأزمة المالية الأمريكية عام 2008 (والتي تعتبر أكبر بعدة مراحل مما يحصل الآن لروسيا وإيران) على أنها جاءت كمعاقبة من قبل الدول المعادية لأمريكا!!!! نقطة أخرى، إن اقتصادي إيران وروسيا *أكثر* تنوعاً و*أقوى* من اقتصادنا يا عزيزي الكاتب.
مع الأسف هذا ليس في مصلحة المملكة .انخفاض أسعار البترول يضر الممملكة كما أنه لا يفيد المستهلكين على المدى الطويل لكونه يتسبب في خروج كثير من المنتجين للنفط مما يؤدي إلى زيادة الأسعار بشكل فجائي بعد 10-15 سنه كما لاحظنا عند إنخفاض أسعار النفط سنة 1960 وارتقاعها منتصف السبعينات ثم إنخفاضها سنة 1998 وارتفاعها خلال السنوات الأربع الماضية .والضغط على روسيا وإيران باستعمال النفط ربما يضرنا أكثر مما يضرهما