«أنا مواطن عربي سعودي، أتى إليكم من بقعةٍ من مملكتنا الغالية آثرت أن تكون الوحدة والتعايش والمحبة ديدناً، توارثناه من آباءِ الأجداد، فلم نَعدّ نَعرف سواه. مِنّ الأحساء أُلقي عليكم التحية، فأنا سعيدٌ وممتنٌ أن أكون بينكم، إخواني وأحبائي. أتيتُ من جزءٍ غالٍ لجزءٍ غالٍ، وكلُ وطننا غالٍ، وكلهُ سيدٌ عزيزٌ مصانٌ بتحابِ وتراصِ أبنائه». هكذا بدأت كلمتي في الجلسة الأولى من مؤتمر الوحدة الوطنية الذي رعاه سمو أمير منطقة الجوف ونظمته جامعة الجوف. ولم تكُ حفاوة الجامعة ممثلة بمديرها د.اسماعيل البشري ورئيس المؤتمر د.بدر المعيقل أمراً مستغرباً، فالجوف تُشعّ كرماً حاتمياً منذ الأزل.
وتابعت كلمتي أمام الجَمع الأكاديمي الحاشد: «نعلم أن النظام الأساسي للحكم خص تحديداً الوحدة الوطنية والحفاظ عليها بعناية فائقة، والسؤال: كيف نحقق ذلك؟ أخذاً في الاعتبار ما مَرَّ به الوطن من تحديات أمنية وهجمات تستهدف استقراره وأمانه، وتسعى لتصديع جبهته الداخلية لتفريق جمعه. ووجود قانون محدد يقنن ويصنف الأفعال التي تُعدّ جرائمَ افتئات على الوحدة الوطنية أمر حرج الأهمية لاعتبارات أهمها: وضع عقوبات مقننة لمن يثبت ارتكابه لمخالفات أو جرائم تحت طائلة النظام، وبما يساعد على نسبة الدعوى وسرعة البت بها، وتضييق حدود الاجتهاد والسلطة التقديرية بما يعزز الاتساق والردع».
ووسط اصغاءٍ مُلفتٍ تتابعت الكلمات: «ويمكن الجدل أن صدور نظام (قانون) هو أمرٌ ضروري لكنه ليس كافياً بحدّ ذاته؛ إذ لابد من التعامل تعاملاً منهجياً لتجفيف التحريض، باعتبار أن ذلك مطلب حقوقي أولاً، ولكونه ضرورةً: لصيانة سلامة المجتمع، ووحدة كلمته، والتفافه حول قيادته، وقطع الطريق على أي فرد أو مجموعة أو منظمة أو دولة من الاشتغال بشأننا الداخلي وقضايانا الوطنية، فهذه شئوننا. كما أنه يُمنع أن نشتغل ببعضِنا البعض، بما يؤدي للتجاوز على مكونات المجتمع السعودي وأطيافه، والسعي ليعتدّ كل منا بمواطنه من ناحية أنه مواطنٌ، فهذه القيمة هي التي تقوم عليها البلدان القوية والمستقرة، فالوطن هو وطنٌ لكل أبنائهِ يساوي بينهم في الحقوق والواجبات، بما يعني منع أن يتجاوز أيٌ منهم على الآخر بالقول أو بالفعل بأي صورة، وإلا اختل التوازن. وليس محلَ شكٍ أن استصدار قانونٍ لمكافحةِ الافتئات على الوحدة الوطنية وتطبيقه بصرامة وحزم سيعزز اللُحمة ويصون السلم الأهلي ويقوي جبهتنا الداخلية.
وهكذا، فإن نظام مكافحة الافتئات على الوحدة الوطنية -في حال صدوره- يسعى في الأساس لمنع التجاوز على الوطن، باعتبار أن الوطن بمواطنيه، وأن كل مواطن يجب أن يكون عزيزا في وطنه فهو داره ومستقره، وأن ليس لأي مواطن حق أن يتجاوز بأي صورة على مواطن أو مجموعة مواطنين: بالقول لفظاً أو كتابةً، أو صورة ساكنة أو متحركة، أو من فوق منصة أو منبر، أو من خلف الكاميرا أو في قناة فضائية أو راديو، أو عبر تويتر أو فيسبوك أو انستجرام أو إحدى قنوات يوتيوب، أو وسائل أخرى. وأن ليس بوسع أي مواطن أو وافد القيام بذلك داخل المملكة أو خارجها، بل ان قيام أي مواطن يحمل الجنسية السعودية بأحد تلك الأفعال ولو خارج حدود المملكة لا يحصنه من المساءلة والنظر فيما قد يرفع بحقه من دعاوى عامة وخاصة. وبالقطع فإن جميع المواطنين على تنوع اهتماماتهم وتوجهاتهم الفكرية سيحاسبون وفق ذلك النظام».
نقلا عن اليوم
كلام سليم.