عودة لحديث الخصخصة ودعم القطاع الخاص

28/12/2014 0
بشير يوسف الكحلوت

يوفر انخفاض أسعار النفط والغاز في عام 2015 فرصة طيبة لدعم توجهات الدولة ممثلة في حضرة صاحب  السمو الامير المفدى، ومعالي رئيس مجلس الوزراء، الداعية إلى إعطاء القطاع الخاص دوراً أكبر في الحياة الاقتصادية.

وقد أكدت القيادة الرشيدة على هذا المعنى عندما صدرت تعليمات تقضي بعدم قيام الحكومة بإنشاء شركات تنافس القطاع الخاص في إنتاج السلع أو تقديم خدمات للجمهور.

كما اتضح هذا التوجه من قيام شركة بروة العقارية التي تملك الدولة حصة 45% من أسهمها، بتصفية كثير من الشركات التابعة لها والتي تخرج عن نطاق نشاطها الرئيسي.

وهذا التوجه يتفق أصلاً مع فلسفة الدولة الاقتصادية، وإن كان قد حدث عكسه في فترات سابقة لضرورات قد تكون اقتضتها مراحل معينة في تاريخ قطر.

وفي حين كانت سنوات الفائض المالي الكبير تدفع باتجاه أخذ الدولة زمام المبادرة في اقتراح وإنشاء الشركات، فإن فترات التراجع والإنكماش قد عززت الدعوات لإعطاء القطاع الخاص الدور الذي يستحقه في جهود التنمية.

ونجد بهذا الخصوص أن الفترة ما بين 1973-1982 قد شهدت قيام الدولة بالبدء في إنشاء المشروعات الصناعية الكبرى، في حين شهدت الفترة 1988-1999 التوجه محو خصخصة جزء من أسهم شركات مثل كيوتيل، وإنشاء شركات مثل الكهرباء والماء بمشاركة فاعلة من القطاع الخاص.

وتبع ذلك العودة لسنوات الفائض للفترة 2003-2014 فشهدت المرحلة عودة قوية لدور الدولة في الحياة الاقتصادية، حيث تأسست شركات بروة العقارية ومصرف الريان والخليجي وصناعات ووقود والخليج الدولية ومسيعيد، بمبادرات من الدولة وبمشاركة منها، مع كونها صاحبة الكلمة العليا في إدارة تلك الشركات.

ورغم غلبة الدور الحكومي في هذه الفترة، لم تتوقف الدعوات الهادفة إلى دعم القطاع الخاص وضرورة تنشيطه، ونظمت غرفة التجارة لقاءات تشاورية سنوية بين التجار ورجال الأعمال من جهة، والحكومة ممثلة في معالي رئيس مجلس الوزراء، والوزراء من جهة أخرى.

ولكن هذه الدعوات واللقاءات قد اصطدمت بعائقين الأول توجه الحكومة الفعلي لإدارة كثير من الأنشطة من ناحية، وبسبب معوقات بيروقراطية ولوجستية كانت تحول دون نجاح القطاع الخاص في ما قد يقوم به من مشروعات.

فقد برزت منذ العام 2010 معضلة الحصول على تراخيص مناسبة للمشاريع المختلفة، أو للحصول على قطع أراضي صناعية، أو مخازن، أو سكن للعمال، أو الحصول على تأشيرات لعمالة تناسب طبيعة العمل.

وكان من نتيجة ذلك أن من كان ينجح في تجاوز كل هذه العقبات، سوف يصل متأخراً إلى مرحلة بدء الإنتاج أو تقديم الخدمة، بعد أن تتراكم عليه مصاريف التأسيس، فتتحول إلى ديون كبيرة وإلى خسائر عند التشغيل.

والآن تبدو الفرصة سانحة لعودة تاريخية لما تتبناه الدولة من فلسفة اقتصادية، وذلك نتيجة لما يلوح في الأفق من احتمال تلاشي الفائض المالي-وربما- عودة لسنوات العجز من ناحية، وبسبب وجود إرادة جادة وحقيقة لدى القيادة في تنفيذ ما تتطلع إليه بشأن تفعيل دور القطاع الخاص من ناحية أخرى.

ونقطة الإنطلاق الفعلية في هذا المجال تبدأ من تنازل  الأجهزة الحكومية  عن القيام بكثير من الخدمات التي تعاني من الروتين والبيروقراطية إلى شركات خاصة تتولى القيام بها بفعالية أكبر.

ومثل هذا التوجه معمول به بالفعل في بعض أجهزة الدولة وثبت نجاحه في بعض المجالات بما يفتح الطريق لتعميمه واعتماده كأسلوب عمل ناجح. ولكي يتحقق النجاح في هذا التوجه، يجب أن يكون هناك معيار نجاح قابل للقياس لأداء أي إدارة حكومية مثلما أن معيار الربح هو معيار النجاح لأداء الشركات.

وعليه لا يكفي أن تعدد أي إدارة ما قامت بإنجازه خلال العام بل عليها أن تقدر ما أضافته إنجازاتها للناتج المحلي الإجمالي لقطر من مكتسبات.

ومن جهة أخرى تظل الخصخصة إحدى الروافد الأساسية لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية في قطر. ولا زلنا نذكر ما أمر به حضرة صاحب السمو الأمير المفدى في العام الماضي من العمل على طرح مزيد من الشركات التي تملكها الدولة للاكتتاب العام تمهيداً لإدراجها في بور صة قطر.. وقد توقف الأمر حتى الآن عند تجربة شركة مسيعيد، وإن كان من المأمول أن نسمع مع بداية العام الجديد عن المزيد من الشركات الأخرى. وحتى تتاح للشركات القادمة فرصة أكبر للنجاح، فإنها يجب أن تستفيد من تجارب الطرح السابقة وتتفادى سلبياتها.

كما أن قطار الخصخصة يمكن أن يمتد ليشمل شركات مدرجة في البورصة بالفعل لإعادة تشكيلها بحيث يكون للقطاع الخاص فيها نسبة مشاركة أكبر، بما يساعد على تعزيز دوره في إدارتها، فلا تعد حكراً على المسؤولين الحكوميين.

وقد سبق أن تحدثت عن هذه النقطة بالذات في مقال سابق، ورأيت أن شركة مثل صناعات يمكن تجزئتها إلى عدة شركات، كما يمكن أن يقال شيئ مماثل عن شركات أخرى مثل وقود التي باتت تحتكر-تقريباً-خدمة بيع المواد البترولية للجمهور.

وهناك مجال لإنشاء شركات مقاولات عملاقة تتألف من إندماج شركات قائمة بالفعل أو بمشاركات مع شركات أجنبية كبيرة في هذا المجال، حتى لا يظل اعتماد السوق القطري قائماً على الشركات الأجنبية في تنفيذ المشاريع العمرانية.

ويظل فيما كتبت رأي شخصي قد يحتمل الصواب والخطأ، والله أعلم.