في ظل اعتماد اقتصادنا بأكثر من نسبة 90% على صادرات النفط، لا بد من أن يتأثر اقتصادنا مع انخفاض أسعار النفط، وهذه ضريبة لا بد من دفعها نتيجة اعتماد اقتصادنا -شبه الكلي- على الصادرات النفطية.
فنظرية أن لكل فعل ردة فعل مساوية له بالمقدار معاكسة له في الاتجاه، لا تنطبق على وضعنا الاقتصادي؛ لارتباطه بأسعار النفط، فالمشاهد أن لفعل انخفاض أسعار النفط ردة فعل مساوية له بالمقدار (بمقدار الانخفاض السعري) إلا أنها ليست معاكسا له بالاتجاه، بل تسير معه في الانخفاض خطوه تلو الأخرى.
ومع تأثر قطاعاتنا الاقتصادية مع الحركة السعرية للبترول، يتبادر إلى الذهن تأثر المصارف بهذا التأثر.
فالمصارف أحد أهم أركان البنية التحتية لأي اقتصاد، ونموه وسلامة ملاءته المالية مؤشر قوي على نمو الوضع الاقتصادي وسلامة وانسيابية حركته ونموه، وبالمثل فأي اهتزاز تتعرض له المصارف، مؤشر على خلل في الوضع الاقتصادي ككل.
قوة المصارف تأتي من قوة ملاءتها المالية، وحصافة إدارة مخاطر محافظها الائتمانية، وكذلك مدى قدرتها على انتقاء مشاريعها التمويلية.
وحين النظر في واقع مصارفنا نجد أن ملاءتها المالية ممتازة، بل وتتفوق على حدود الملاءة المالية المقبولة دوليا؛ نتيجة للسياسة الرائعة التي تنتهجها مؤسسة النقد العربي السعودي، والتي تهدف إلى الحفاظ على متانة وضع الملاءة المالية للمصارف.
كما نجحت مصارفنا في إدارة مخاطر محافظها الائتمانية كنتيجة لتبني أعلى معايير إدارة المخاطر، والتي تفرض مؤسسة النقد على المصارف كافة الالتزام التام بها.
ونجحت المصارف السعودية في بناء محافظ تمويلية ضخمة في الأعوام الماضية، كنتيجة مباشرة للانفاق التنموي الحكومي الضخم على كافة المستويات والأصعدة، فمصارفنا استفادت ونمت محافظها الائتمانية كنتيجة مباشرة للانفاق الحكومي على البنية التحتية من طرق ومستشفيات وجامعات ومدارس، ومشاريع الإسكان، والمشاريع الصناعية الضخمة سواء كانت بتروكيماوية أو تعدينية أو غيره.
ومع الانخفاض الحالي في أسعار النفط وتوقعات استمراره على المدى القصير والمتوسط، يتبادر السؤال عن مدى استمرارية زخم الانفاق الحكومي واستمراره ومدى تأثيره على محافظ البنوك التمويلية.
شخصيا، لا أتوقع أن تتأثر المشاريع التي أعلن عنها سابقا، ولا أتوقع أي توقف عن المضي قدما حتى اكتمالها، وبالتالي فلا أتوقع أن يتأثر وضع المصارف بما تم الالتزام بتمويله، بافتراض أخذ كافة معايير إدارة المخاطر التمويلية بحصافة وتنفيذها بصرامة تامة.
إلا أنني أتوقع انخفاض الانفاق الحكومي عن سابقه كنتيجة مباشرة للانخفاضات السعرية الحادة التي نشاهدها جميعا. وهذا أمر متوقع ومطلوب في نفس الوقت؛ حتى لا يتم الأخذ من الاحتياطات النقدية التي تم بناؤها في السنين الماضية.
وبالتالي، لا ينبغي التوقع بنمو المحافظ التمويلية للمصارف، بل العكس أتوقع لها الاستقرار بل وحتى الانخفاض، خصوصا اذا استمرت اسعار النفط بالتراجع على المدى المتوسط (وهذا متوقع). وبالتالي سينعكس هذا الوضع على نمو ربحية القطاع المصرفي في بلادنا.
ومن المتوقع أن يتم تعويض جزء من الانخفاض في المحفظة التمويلية بزيادة المحفظة الاستثمارية للمصارف، إلا أن عوائد الاستثمارات لا تقارن بعوائد التمويل، وبالتالي لن تكون عوضا كليا عنها.
ومن هنا لا بد من أن يبادر المستثمرون ورواد الأعمال بمشاريع تنموية، تساهم المصارف بتمويلها؛ للإبقاء على نمو المحافظ التمويلية، وبالتالي نمو ربحية كل من المصارف والمستثمرين ورواد الاعمال على حد سواء.
فعند النظر إلى الدول الاقتصادية المتقدمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة واليابان وغيرها، نجد أن كل المشاريع التنموية الجوهرية أتت بمبادرة من الشركات ورواد الأعمال وبمساهمة المصارف بالتمويل، سواء كانت المشاريع كهربائية أو تقنية أو صناعية أو حتى إنشائية.
فدور الدولة كان مشرعا ومنظما ومراقبا ومقدما للتسهيلات، ولم يكن دور تلك الدول التمويل إلا في حالات نادرة. ولا بد لنا من تبني هذا النهج؛ لاستمرار عجلة التقدم والتنمية في بلادنا.
لا بد من تضافر كل من المستثمرين ورواد الأعمال والمصارف وبمساده ورقابة الدولة؛ للنهوض بالقطاع الخاص والخروج به من الاعتماد -الشبه التام- على الانفاق الحكومي.
فالانخفاض الحالي لأسعار النفط وتأثيره المشاهد والمعايش على كافة القطاعات الاقتصادية، يجب أن يكون محفزا لهذا التضافر المنشود.
كما وعلينا الاستفادة من التجارب الدولية في هذا المجال. فما نسعى له سبقنا إليه الكثير ممن لا يملكون إمكانياتنا وقدراتنا البشرية والمادية كذلك. فكافة عناصر النجاح متواجدة، وكل ما علينا القيام به التخطيط السليم ومن ثم المضي قدما.
نقلا عن اليوم
بنوكنا قوية جداً ولو أخذت الدولة سندات من بنوكنا فهذا لصالحها لانها سندات مربحة وبلا مخاطر ولا مخصصات