بعد صلاته بالناس يوم الجمعة، لاحظ الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، جماعة قابعة في المسجد، فسألهم: "من أنتم؟"، قالوا: "متوكلون على الله"، فقال: "بل أنتم متأكِّلون لا متوكلون، قاعدين تتأكلوا، لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم أرزقني، وقد عَلِمَ أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة".
كغيرها من السلع الأولية، تخضع أسعار النفط الخام اليوم لعوامل العرض والطلب. لذا لجأت الدول الفقيرة بالنفط إلى تشغيل عقولها وتشمير سواعدها لخفض اعتمادها على النفط، فسارعت لتوطين العلم والمعرفة بين شعوبها ودفعهم للعمل والإنتاج، لتتفوق على الدول النفطية بسرعة نمو اقتصاداتها، ولتحقق بمنجزاتها ما عجزت عن تحقيقه الدول الغنية بمواردها.
بالأمس القريب احتفلت سنغافورة الحديثة بنجاحها الأسطوري وتفوقها على الدول النفطية، الذي جاء نتيجة حتمية لخططها الرامية لإثراء عقول خبرائها ورفع كفاءة أبنائها، فتضاعف ناتجها المحلي الإجمالي خمسة أضعاف، وأصبحت تمتلك اليوم أفضل مطارات العالم، وثاني أكثر موانئ المعمورة ارتيادا، وثالث أكبر مصانع التكرير في الشرق الأقصى، ورابع أهم مرتبة في التنافسية بين دول القرية الكونية.
وبالأمس أيضا احتفلت اليابان، التي تعتمد صناعاتها على 86% من المواد الأولية المستوردة، بتفوق منتجاتها على مثيلاتها الأوروبية والأميركية، واحتلالها المركز الرابع كأكبر اقتصاد في العالم، وحيازتها على المركز الأول بين دول المعمورة في كفاءة عمالتها الفنية ومستواهم التقني.
وكذلك الهند، الفقيرة بموارد الطاقة، التي ركزت أولوياتها على توفير الميزة النسبية لمنتجاتها، والكفاءة النوعية لصناعاتها، والتحرير التدريجي لتجارتها، وتطبيق مبدأ المنافسة العادلة في أسواقها.
فعلى عكس ما تنتهجه الدول النامية، لجأت الهند إلى خفض الرسوم الجمركية على وارداتها، وفتحت أسواقها للاستثمار الأجنبي، وأوقفت تدخل الدولة في تسعير منتجاتها، فحققت نموا مستداما لاقتصادها عجزت عن تحقيقه الدول النفطية.
أما كوريا الجنوبية، التي تستورد 78% من النفط لسد حاجاتها، فلقد أبدعت في هيكلة التعليم وتوجيه مخرجاته للتدريب على الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، فأصبحت تمتلك اليوم أكبر مصانع الحديد والأسمنت في العالم، وأفضل خدمات الاتصالات الضوئية وتقنية المعلومات على وجه اليابسة، لتحتل اليوم المركز الثالث في جذب الاستثمارات الأجنبية، والمرتبة الخامسة كأكبر مُصّدِر للمنتجات الصناعية في العالم.
جميع هذه الدول الفقيرة بالنفط والغاز استغلت نظرية القيمة المضافة المحلية، فمنحت صناعاتها وخدماتها الفرص المثالية لاستقطاب رؤوس الأموال ونقل التقنية وتدريب العمالة وتحقيق الدخل الصافي لاقتصاداتها.
وعندما أجرى خبراء البنك الدولي أبحاثهم حول معجزات هذه الدول، اكتشفوا ثلاثة عوامل مشتركة لنجاحها.
كان العامل الأول يصب في تطوير التعليم والتدريب، حيث شطبت هذه الدول من قواميسها أساليب الحفظ والحشو والتلقين، واستبدلتها بمبادئ الفكر والمعرفة والابتكار والبحث والتطوير.
وكان العامل الثاني يهدف للتركيز على تطبيق نظام العمل والانضباط الوظيفي، فأصبحت العقوبات الصارمة أساسا في تلقين كل من يستهين بالنظام ويتهاون في العمل درسا قاسيا وعبرة لمن لا يعتبر.
أما العامل الثالث فكان من نصيب الحوافز الخلاقة الممنوحة للمشاريع الاستثمارية الوطنية، لحثهم على توطين الوظائف ونقل التقنية وتصدير المنتجات، فقامت على تسهيل معاملات المستثمرين ودعمهم وتحصين قدراتهم والدفاع عن مصالحهم.
نجاح هذه الدول لم يكن ليتحقق لولا تفاني أجهزتها في تطبيق برامج الشراء المباشر للمنتجات الوطنية، وتضامن قطاعاتها الحكومية والخاصة لتنفيذ خططها التحفيزية وتشجيع استثماراتها المحلية، ما أدى إلى تدافع القطاع الخاص على استقطاب العمالة الوطنية للعمل في منشآته، وتسخير جهوده لترويج صادراته في الأسواق العالمية.
المملكة، التي تتأثر من تقلب أسعار النفط، لا تحتاج إلى إعادة اختراع العجلة، فقريتنا الكونية تزخر بالمعجزات، التي حققتها دول العالم الفقيرة بموارد الطاقة، وصعدت بقدراتها الذاتية إلى المراكز المتقدمة بين دول العالم الأول. والمملكة اليوم لا تحتاج إلى المعجزات لكي تمتلك أكبر معاقل الصناعة التصديرية في العالم وأرقى المنتجات الوطنية.
فمن خلال تنفيذ سياساتها الاقتصادية وتفعيل علاقاتها التجارية وبناء شراكاتها الاستراتيجية، تستطيع المملكة تنويع مصادر دخلها وتخفيف اعتمادها على النفط بوصفه مصدرا وحيدا للدخل.
وهذا لن يتحقق إلا إذا سعينا إلى دعم وتشجيع استثماراتنا المحلية، وتدافعنا لشراء منتجاتنا الوطنية، وسارعنا لتحفيز صادراتنا العالمية.
بإمكان المملكة أن تمنح المستثمرين في المناطق الريفية النائية الأراضي الصناعية المطورة بدون مقابل، وتوفير القروض بدون فوائد، وتشجيع المنتجات الوطنية بالشراء المباشر، ودعم الصادرات بالقروض الميسرة والتأمين المعتدل.
وبإمكان المملكة أن تستغل تدفق الاستثمار الأجنبي في أسواقنا المحلية لنقل التقنية كشرط أساسي، وتدريب المواطنين ورفع قدراتهم الاستيعابية في المشاريع التنموية، وتحفيز القطاع الخاص على مشاركة المعاهد الفنية في تطعيم كوادره وتدريب حاجاته ورفع كفاءة موظفيه.
اليوم تستطيع المملكة أن تحتل المركز الأول عالميا في صناعة أجهزة الطاقة الجديدة والمتجددة، ومعدات محطات تحلية المياه، من خلال استقطاب الشركات العالمية الكبرى في هذه المجالات لتجميع أجهزتها المتطورة وتصنيع معداتها المتقدمة وتوفير قطع غيارها التي سنحتاج إليها.
وبإمكان المملكة أن ترفع من مستوى دخلها وتطوير مواردها من خلال تأسيس المصانع النسائية المتخصصة في تصنيع المنتجات الورقية والنسيجية والغذائية، لتوفير الوظائف لنصف اليد العاملة في المجتمع السعودي، ورفع القيمة المضافة المحلية وخفض الاستيراد.
لعلنا نبدأ بشحن عقولنا والتشمير عن سواعدنا ودعم استثماراتنا الوطنية لتنويع مصادر دخلنا، فالسماء "لن تمطر ذهبا ولا فضة".. ولا نفطا.
نقلا عن الوطن
التغييرات الجذرية تحتاج إلى تغيرات عميقة
اليس الوقت متأخر جدا ..للتذكير... البرميل الان ب63دولار...!!!
جميع هه الدول المذكورة فى المقال لديها عامل مشترك نفتقده فى المملكة ؟؟؟؟ ولا اعتقد انه سيتوفر عندنا قريبا
نجيد السواليف فقط والمعلوم ان الشق اكبر من الرقعة ...