ربما يكون الكلام معادا، لكن في الإعادة إفادة كما يقولون، حيث بات التخلص التدريجي من دعم الوقود أمراً هاما للمملكة بغض النظر عن إنخفاض أسعار النفط الخام وما يدور حوله من نقاشات وتكهنات.
الخطط التوسعية للمدن ومد الطرق ونمو عدد السيارات التي من المنتظر أن ترتفع بأكثر من الضعف إلى 26مليون وحدة بعد خمسة عشر عاما وفقا لصحيفة "عكاظ"، وبالتوازي مع ذلك تضاعف كمية الوقود المستهلكة لما يناهز مليوني برميل يومياً يعني ضرورة وجود وقفة للمراجعة.
لكن هذا الرقم ربما يتم بلوغه مبكرا مع الإرتفاع المطرد في واردات السيارات بكافة أنواعها والتي تجاوزت مليون وحدة العام الماضي بالمقارنة مع حوالي 417 ألف وحدة عام 2004.
ولا زالت المملكة تحتل الترتيب الثاني عالمياً بعد فنزويلا في رخص سعر البنزين عند 0.45 دولار للجالون الواحد " أقل من نصف ريال للتر في حين تبلغ تكلفة انتاجه 2.5 ريال تقريبا"، بالمقارنة مع 0.79 دولار في الكويت، على الرغم من اتساع الفارق مع فنزويلا عند 0.04 دولار فقط، وذلك وفقا لتقرير دوري من "بلومبرغ".
وعلى النقيض تماما إحتلت النرويج التي تعد خامس أكبر مصدر عالمي للنفط رغم أن ايراداته لا تمثل سوى الربع أو أقل من ناتجها الإجمالي المحلي المرتبة الأولى "حوالي 2.18 مليون ب/ي" كأغلى دول العالم عند 9.26 دولار للجالون وبفارق ضخم يتجاوز العشرين ضعفاً عند المقارنة مع المملكة.
هذا الفارق الكبير في السعر الذي يتم تحصيله من الوقود في النرويج تعيده الحكومة إلى الشعب بطريقة غير مباشرة في استثمارات للأجيال القادمة أهمها التعليم الذي يمثل استثماراً حقيقياً في المستقبل.
لم يتعرض الإقتصاد النرويجي بشكل كبير ومؤثر لـ "الداء الهولندي" المرتبط إلى حد كبير بإكتشافات الموارد الطبيعية الضخمة وتأثيره السلبي على قطاعات أخرى سواء كانت صناعية، معدنية، أو زراعية، ومن ثم أعاد استثمار عائدات النفط في البنية التحية وفي صندوق الثروة السيادي الذي يعد الأكبر عالميا.
وتعد مهمة التخلص من دعم الوقود أو لنقل خفضه التدريجي مهمة شاقة خصوصاً في ظل الظروف السياسية الراهنة التي تمر بها المنطقة، فضلا عن التحولات الجيوسياسية، بجانب ثقافة الإستهلاك المفرط التي تعود عليها الكثيرين، لكن بات طلباً ملحاً يمكن تطويعه على مدار خمس سنوات أو أقل مع تقسيم السيارات إلى فئات تبعاً لقدرات محركاتها واستهلاكها للوقود حتى يكون هناك تشجيعاً على تقليص إقتناء السيارات "المسرفة" في فواتير تعبئة خزاناتها، فلا يعقل مساواة الجميع رغم اختلاف فاتورة الإستهلاك.
ويمكن تقديم حوافز خاصة للسيارات الأكثر كفاءة في الإستهلاك، والسيارات الهجينة مع ضرورة توفير شبكة مواصلات عامة حسب طبيعة كل منطقة من منطاق المملكة المترامية الأطراف بسعر معقول، في الوقت الذي يجب أن تتغير فيه ثقافة المستهلك مع تبدل وتغير الأوضاع العالمية، فلا يزال البعض يردد: نحن أكبر منتج عالمي للنفط الخام، وحتى هذه العبارة قد تكون قريباً من الماضي مع تواصل نمو الإنتاج الأمريكي.
وخفض دعم الوقود خطوة قامت بها العديد من الدول هذا العام لمواجهة عجوزات ميزانياتها، منها مصر، والهند التي أعلنت في أكتوبر تحرير سعر الديزل، ورفع تكلفة الغاز الطبيعي، وكذلك اندونيسا، حتى ماليزيا التي تتمتع بوضع إقتصادي أفضل اتجهت للخفض بهدف السيطرة على عجز الميزانية عند 3.5% هذا العام، و3% عام 2015.
الأهم في هذا التوجه هو الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة، والتي تتمثل في موارد وبنية تحتية وبيئة نظيفة، وتعليم جيد غير نمطي يخدم المجتمع ويعزز من ثقافة مغايرة تحيد الإسراف الذي يهدد الثروات وعدم إثقال كاهلها بعبء ديون، وبالطبع ستكون تلك خطوة أولى نحو التخلص من دعم الطاقة ككل وتوجيه تلك المليارات إلى مسارها الصحيح نحو تنمية مستدامة وليس أنماط استهلاكية غير منتجة.