المتتبع لردود فعل المجتمع بكافة أطيافه تجاه التطورات الاقتصادية الجديدة، يُلاحظ أن معظم آرائنا تجاه تلك التحديات تتصف بالحدية.. أي أنها تقع في أحد طرفي مستقيم الإفراط والتفريط، بين مفرط في التشاؤم لا يرى بصيصاً للنور، وبين مغالٍ في التفاؤل أغمض عينيه عن رياح الزمان وتحدياته.. فالأول أفرط في التشاؤم لدرجة سيطر عليه اليأس وأقعده عن الدعوة إلى مواجهة التحديات بل وتحويلها إلى فرص.. والثاني أفرط في التفاؤل لدرجة أقنعته بالدعوة إلى الدّعة والتراخي عن أي تطوير أو تحديث أو تحسين.. فلم يخدمنا هذا ولا ذاك.
وقد نسي المتشائمون أن هذه سنة الحياة التي علّمتنا أن الاستقرار شذوذ والتغير هو القاعدة.. مررنا بتحديات اقتصادية مشابهة، بل وأكثر حدة كما كان في مطلع الثمانينيات ومطلع التسعينيات وتخطاها الاقتصاد بكل قوة وصلابة.. وتناسى هؤلاء المقومات والميز النسبية الوطنية الأخرى، وقصر هؤلاء نظرهم على النصف الفارغ من الكأس.
وفي الطرف الآخر تناسى المفرطون بالتفاؤل أن مواجهة التحديات سنّة كونية، وأنه كما أن العمل بدون توكل شرك فإن التوكل بدون عمل (فعل الأسباب) معصية.. وأن الاعتراف بالتحديات والمشاكل جزء رئيس من حلها والسيطرة والتغلب عليها بل وتحويلها إلى فرص.. وأن قصر النظر على النصف الممتلئ من الكأس خطأ يفضي إلى تبعات غير محمودة.
لا أعرف سبباً لميولنا غالباً للرأي الحدي ووقوع معظم آرائنا في طرفي المستقيم، إلا أن البيئة الصحراوية وطبيعة المجتمع الصحراوي قد تفيد في تفسير ذلك.
المهم هنا أن نعمل على طرح الآراء الحدية والأفكار المتطرفة جانباً، وأن يتم طرح أفكارنا بشكل موضوعي عقلاني يساعدنا على قراءة الأحداث، وما يجري من حولنا قراءة موضوعية واستنتاج الأفكار والرؤى الخلاّقة التي تساعد على تقوية الثقة بالله وتعزيز الثقة بالنفس وإعادة ترتيب أولوياتنا وطرح البدائل المتاحة لنا للتعامل مع مستجدات العصر وتحدياته وتسريع عجلة النمو والتطور.. واضعين في الاعتبار ما أودعه الله فينا كمجتمع متماسك من خير وما أودعه في أرضنا من بركة.. فنحن لسنا محطة لتزويد العالم بالوقود فحسب، وهذا وإن كنا نملكه فهناك الكثير يشاركنا في تملك محطات وقود أخرى، بل نحن نملك من المقومات الاقتصادية والدينية والبشرية والطبيعية وغيرها ما يؤهلنا لإحراز مركز متقدم في مضمار ماراثون الاقتصاد العالمي.. ونحن فوق هذا وذاك مصدر نور البشرية وضوئها وهداها.. نحن قبلة ربع سكان العالم ومبتغى أفئدتهم.. وهذه ميزة وربي لو استثمرت الاستثمار المناسب لحققت لنا مكاسب محلية وإقليمية ودولية يعجز الكثير عن الوصول إليها.
المطلوب أن نقف مع أنفسنا وقفة مهنية جادة نراجع فيها برامجنا الاقتصادية وأولوياتنا التنموية وإدارتنا التنفيذية ومنهج أدائنا لأعمالنا.. وأن نضع حداً لاعتمادنا بشكل شبه كلي على العوائد النفطية غير المستقرة.
إلى متى سنستمر في وضع أيدينا على قلوبنا كل صباح مراقبين بقلق أسعار مصدر اقتصادي واحد لا نملك القرار النهائي فيه؟!!
ألا تمثّل التقلبات العديدة التي مرت بها أسواق النفط دروساً كافية لمراجعة النفس وإعادة النظر في النموذج والمسار الاقتصادي واتخاذ خطوات جادة في تنويع مصادر الدخل وتنويع القاعدة الاقتصادية؟
الذي أردت أن أصل إليه وأُذكّر به هو أن أثر الأحداث يعتمد بدرجة كبيرة على ردود الفعل تجاهها.. لن تتمكن الأحداث الاقتصادية بذاتها من إيذائنا أو تحديد مستقبلنا الاقتصادي.. ويقيني أن أثرها سيكون على قدر ردة فعلنا تجاهها.
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
نقلا عن الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
اشكرك ، موضوع متميز واكثر من رائع .سهل حجازي