سعر الصرف انخفض بأكثر من 3 في المئة منذ بدء تراجع النفط.
من أين تأتي الحكومة بـ23 مليار دينار كويتي لتمويل مصروفاتها هذه السنة إذا انخفض النفط دون سعر التعادل لوقت طويل؟
حسابياً، هناك طريقتان لتفادي العجز والسحب من الاحتياطات: إما ان تبيع نفطاً أكثر، أو أن تخفّض قيمة الدينار أمام الدولار، لتساوي الإيرادات بالدولار عدداً أكبر من الدنانير.
لكن هل هذا ممكن في إطار ما هو معروف عن استقلاليّة السياسة النقديّة الكويتيّة عن السياسة الماليّة؟ أياً تكن الإجابة فإن الأكيد أن متوسط سعر صرف الدينار هذا الشهر انخفض بالفعل بنسبة 3.2 في المئة عما كان عليه في مايو الماضي قبل أن تبدأ أسعار النفط بالتراجع السريع.
وهذا الانخفاض في سعر الصرف يعني زيادة الإيردات بنحو 310 ملايين دينار لكل 10 مليارات دينار تجنيها الكويت من صادرات النفطية، على افتراض ثبات العوامل الأخرى، وهذا كفيل بخفض سعر التعادل في الميزانية بنسبة لا بأس بها عن السعر المقدّر من صندوق النقد الدولي عند 75 دولاراً.
ومع ذلك، يؤكد الخبراء في أسواق النقد ألّا دليل على أن تخفيضاً متعمّداً لسعر الدينار حدث في الماضي أو يمكن أن يحدث في المستقبل لتعويض انخفاض أسعار النفط، لكن الوقائع والأرقام ومنطق السوق النقدي يشير إلى أن سعر الدينار له علاقة طرديّة بسعر النفط، فحينما يرتفع النفط على المدى الطويل يرتفع الدينار، والعكس بالعكس، وهذا منطقي لأن ارتفاع الإيرادات الحكوميّة بالعملة الصعبة يجعل العملة الوطنيّة في موقف أقوى، هذا فضلاً عن أن الدولار الأميركي- عموماً- له علاقة فنيّة سلبيّة بالنفط، فهو يرتفع عندما تنخفض أسعار الخام وينخفض عند ارتفاعها، ولذلك من المنطقي أن ينخفض الدينار أمام الدولار المرتفع في أسواق الصرف العالمية.
رسميّا، يردّد البنك المركزي أن سعر الصرف مربوط بسلّة عملات لا يُعلن عن تكوينها، ولو أن الخبراء الاقتصاديين يرجّحون أن الدولار يشكّل الحصة الغالبة فيها.
تاريخياً، يُلاحظ أن اتجاه أسعار الصرف على المدى البعيد كان دائماً في اتجاه عكسي لاتجاه أسعار النفط. ففي أواخر التسعينات، حين تراجعت أسعار النفط إلى قرابة العشر دولارات، سجل سعر صرف الدينار أدنى مستوياته التاريخية فوق 306 فلوس للدولار الواحد (نحو 3.2 دولار للدينار الواحد)، وحين حدثت الطفرة النفطية الكبيرة بعد حرب تحرير العراق، وتجاوزت الأسعار 150 دولاراً للبرميل، ارتفع سعر الصرف إلى أعلى مستوياته على الإطلاق قرب 266 فلساً للدولار الواحد، (نحو 3.75 دولار للدينار الواحد).
ومن أجل ذلك اضطرت الكويت إلى التخلّي عن الاتفاق الموقّع في العام 2003 بين دول مجلس التعاون لتثبيت أسعار الصرف مقابل الدولار تمهيداً للوصول إلى الاتحاد النقدي والعملة الخليجية الموحّدة.
وكان السبب المعلن حينها «مواجهة الضغوط التضخّمية المستوردة»، في إشارة حينها إلى تراجع أسعار الدولار حينها. لكن ما الثمن الذي تدفعه الكويت إذا مضت في سياسة خفض العملة؟
الواضح أن وضع الكويت مختلف تماماً عن دول أخرى تخفّف آثار انخفاض النفط بتخفيض العملة، لاسيّما روسيا وفنزويلا وإيران. فتلك الدول لديها مصادر دخل أخرى مثل التصدير الصناعي والزراعي والسياحة، التي هي قطاعات تستفيد من انخفاض سعر الصرف وتتحسّن تنافسيّتها، ولو أنها تعاني في المقابل من التضخّم في هذه الحالة.
أما في الكويت، تتغّلب المضار على المنافع بشكل واضح.
في الجانب الإيجابي، تستفيد الشركات ذات التوسعات الدولية التي تحصّل تدفقات نقديّة خارجية بالعملات الصعبة، والشركات التي يقوم نشاطها على التصدير، وهي قليلة.
أما في الجانب السلبي فتطول القائمة، وأخطر ما فيها ارتفاع التضخم، لكون سلّة الاستهلاك قائمة على فاتورة ضخمة من المستوردات، جزء كبير منها بالدولار.
غير أن تأثر تلك الفاتورة يحتاج إلى حسابات أكثر تعقيداً، إذ يعتمد الأمر على حصة كل من العملات الرئيسية فيها وسعر صرف الدينا مقابلها، فللكويت مستوردات أخرى كبيرة من منطقة اليورو والمملكة المتحدة واليابان والصين وغيرها.
نقلا عن الرأي