تحرّكت الأسهم القيادية الأثقل وزناً في السوق بعد سبات شتوي طويل، فارتفع أسهم "الوطني" و"بيتك" و"المشاريع" بنسب 7.9 و6.3 و6.5 في المئة على التوالي منذ بداية العام حتى إنهاية الأسبوع الماضي، وكسب سهم "زين" 7.9 في المئة من أدنى إغلاق بلغه في 26 يناير الفائت. لكن ربيع الأسهم الثقيلة قد يكون قصيراً، ما لم تُنجز أربعة إصلاحات أساسية لا غنى عنها لاجتذاب السيولة المستقرة والمستمرة.
وبدأت معالم التحسّن تظهر بوضوح على الأسهم القيادية منذ أن بدأت نتائجها السنوية تُعلن تباعاً، ومعها توصيات التوزيعات. وكان من غير المفاجئ إذذاك أن يبدأ بناء المراكز على الأسهم ذات التوزيعات المجزية، خصوصاً في ظل نمو توزيعات الشركات التي أعلنت توصياتها حتى اليوم بنسبة 15 في المئة، وفق ما رصدته شركة الاستثمارات الوطنية من بيانات.
وهكذا ارتفع ثلاثي "الوطني" و"بيتك" و"زين"، الذي يشكل نحو 60 في المئة من أوزان "كويت 15"، وأكثر من ثلث القيمة الرأسمالية للسوق، بنسب متفاوتة، فكسب "الوطني" 70 فلساً، وأضاف "بيتك" 50 فلساً، أما "زين" الذي هوى بشدة في الأسبوع الرباع من يناير تحت ضغط عملية تسييل كانت مرتقبة، فعاد وارتفع 50 فلساً منذ 26 يناير حتى إغلاق الأسبوع الماضي.
وبالإضافة إلى هذا الثلاثي، يلاحظ نشاطٌ لا بأس به على أسهم قيادية أخرى مثل "المشاريع" و"المباني" "برقان" و"الصناعات"، في مقابل ما يبدو أنه استراحة لأسهم أخرى سجلت مكاسب استثنائية العام الماضي، مثل "أجيليتي" و"الجزيرة".
ولعل الملاحظة اللافتة هي إعادة انتشار السيولة، بنصيب أقل للمضاربات على الأسهم الصغيرة، مقابل ازدياد ملحوظ لقيمة التداولات على الأسهم القيادية. وهذا ما تُرجم الأسبوع الماضي بارتفاع مؤشري "كويت 15" و"الوزني مقابل تراجع ملحوظ للمؤشر السعري بنسبة 1.34 في المئة.
قد لا تكون التوزيعات وحدها السبب في هذا التحرّك، إذ تصح إضافة عوامل أخرى من قبيل القبضة المتشددة من هيئة أسواق المال على تحركات المضاربين، ورغبة بعض المضاربين بتخفيف المخاطر واللجوء إلى ملاذات آمنة مرحلياً، فضلاً عن انخفاض بعض الأسهم القيادية إلى مستويات مغرية للمديين المتوسط والبعيد.
لكن علاقة نشاط الأسهم القيادية بالتوزيعات أوضح من أن تفسّر، ولعل من مؤشّراتها التراجعات الكبيرة نسبياً للأسهم التي لم توصِ بتوزيعات، او التي سجلت عائد توزيعات (dividend yield) منخفضاً. وهذه الملاحظة بحد ذاتها تبرر عدم اليقين باستمرار النشاط بعد انتهاء موسم الجمعيات العمومية.
فما الذي يؤمن للسوق استمرار هذا التحسّن؟
يرى متابعون أن استمرار ربيع الأسهم الثقيلة مرهون بعوامل أساسية، تتمثّل أساساً بتحسّن محددات الربحية، خصوصاً في القطاع المصرفي، إذا ما أتاحت الظروف تراجع مستويات المخصصات اعتباراً من الربع الأول. وتضالإ إلى ذلك شروط تتعلق بإصلاحات تنظيميّة، بما يتيح توفير بيئة صالحة لاجتذاب السيولة المؤسسية المحلية والأجنبية، الأكثر احترافاً واستقراراً.
وتتصدر الأجندة على هذا الصعيد أربعة إصلاحات ضرورية هي:
1.تحسين تكوين السوق:
بحيث يصبح أفضل تمثيلاً للنشاط الاقتصادي المحلي، وهذا لا يتأتى إلا بتوفير محفّزات، وربما تعديلات تشريعية، لإدراج شركات من القطاعات الأسرع نمواً في الاقتصاد، مثل القطاعات الاستهلاكية والمقاولات، وحتى النفط والبتروكيماويات. إذ إن سوق الأسهم القيادية متركز حالياً بشكل كبير في قطاعي البنوك والاتصالات اللذين يشكلان معاً 75 في المئة من مؤشر "كويت 15" تقريباً.
2.معالجة وضع الأسهم الخاملة:
فثمة شركات كثيرة ممتازة، وذات عائد مرتفع، لكن المستثمر لا يجد سبيلاً إلى بناء مراكز عليها بسبب محدودية أسهمها المتاحة للتداول. وهذه مشكلة تحتاج إلى معالجة تنظيمية، إما عبر وضع حد أدنى للأسهم العائمة في كل شركة مدرجة، وإما بالترخيص لصنّاع سوق يقوم بدور محدد، وبضوابط واضحة. وقد يكون الحل الثاني الأكثر ملاءمة لخصوصية السوق الكويتي، خصوصاً في ظل القيود المبالغ بها لقواعد عرض الاستحواذ الإلزامي.
3.الحد من استثمار الشركات خارج أغراضها:
لا بد- تحديداً- من وضع قيود على ملكيات الشركات المدرجة في شركات زميلة، مدرجة أو غير مدرجة، خصوصاً إذا كانت استثمارات بعيدة عن أغراضها، لأن ذلك يتسبب بوجود تشابك في الملكيات يصعب على المستثمر رصده وتوقّع تبعاته على الأداء المالي.
4.تحصين أكبر للقرارات التأديبية:
ما جرى الأسبوع الماضي من إيقاف لبعض المضاربين شكّل رسالة قويّة بأن هيئة أسواق المال تسمع وترى، ولديها القدرة على الضرب بيد ثقيلة. وبدت نتائج ذلك سريعاً في السوق من خلال حذر المضاربين الآخرين من الاستمرار في ممارسات سلبية معروفة للجميع. ولا شك أن "هيئة الأسواق" تزداد خبرة وحنكة مع مرور الوقت، ولعل من المهم ألّا تفتر هذها لهمّة.
أخيراً، ربما تكون استقلالية الهيئة محل انتقاد البعض في مجالات معيّنة، لكنها في المجال التأديبي ما زالت في حاجة إلى تحصين أكبر لقراراتها، لئلا تدخل المخالفات اليومية في دورة طويلة من المقاضاة، تضيع معها المسؤوليات. إذا لا يُعقل أن يلجأ المضارب إلى القضاء في كل كبيرة وصغيرة كلما واجه قراراً تأديبياً من الهيئة.