بعد مضي أقل من عام على تأسيس مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي، لا يزال سؤال واحد يتكرر على لسان الكثير من الصحفيين الذين نلتقيهم: "كيف لدبي أن تحقق الريادة في الاقتصاد الإسلامي؟"
إن الثقة التي يبديها الجميع بقدرات دبي التنافسية على أكثر من صعيد وبمكانتها العالمية في مختلف الميادين، تستدعي هذا السؤال حول الآفاق الجديدة التي يتيحها الاقتصاد الإسلامي لدبي ويحقق لها مكانة عالمية جديدة.
اليوم، يأتي انعقاد منتدى الاقتصاد الإسلامي العالمي في دورته العاشرة بدبي ليجيب على هذا التساؤل. فهذا المنتدى لم يختر دبي بالصدفة خاصة مع اعتماده شعار: "شراكات مبتكرة لمستقبل اقتصادي واعد".
أكثر من 2500 مشارك من 140 دولة، يعلمون أن على أرض الإمارات منصة عالمية لبناء شراكات مبتكرة تحاكي الركائز السبعة لاستراتيجية دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي التي أطلقت في عام 2013 وهي: التمويل الإسلامي، صناعة الأغذية الحلال، السياحة العائلية، الاقتصاد الرقمي الإسلامي، الفن والتصميم الإسلامي، المعايير والشهادات الإسلامية، المعرفة والبحوث الإسلامية.
عند تصميم استراتيجية دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي حرص كل المعنيين على بلورة مقاربة شمولية ومتكاملة تجمع سبعة ركائز مترابطة بعضها ببعض وتتغذى من بعضها بعض .
فالتمويل الإسلامي، على سبيل المثال، هو العصب الحيوي الذي يسهم في تنمية كل القطاعات الأخرى، والمعايير والشهادات تنعش قطاع المنتجات والأغذية الحلال الذي يثري بدوره قطاع السياحة العائلية، فيما المعرفة والبحوث تعزز المحتوى الرقمي والعكس يصح أيضاً.
مبادرة دبي للاقتصاد الإسلامي مختلفة في أبعادها ومقوماتها ورؤيتها عن أي مقاربة عالمية أخرى ليس رغبة في الاختلاف بقدر ما هو وعي وإدراك للفرص الكبرى التي يوفرها كل قطاع أو كل ركيزة من الركائز للقطاع الآخر.
لم يكن صعباً على أحد منا أن يشارك في هذه المهمة لأن جميعنا عايش باكراً ثقافة الاقتصاد الإسلامي.
كما أن استراتيجية تنويع الاقتصاد التي تنتهجها الإمارات مكّنتها بسهولة من أن تستوعب إضافة قطاع الاقتصاد الإسلامي إلى باقة القطاعات الاقتصادية الفاعلة في الدولة.
بالإضافة إلى ذلك، التعامل المصرفي وفق مبادىء الشريعة الإسلامية أمر مألوف في الإمارت منذ العام 1975 مع إنشاء أول مصرف إسلامي في العالم، والبنية المصرفية للإمارات تعزز فرص نمو قطاع التمويل الإسلامي وغيره من القطاعات المندرجة ضمن الاقتصاد الإسلامي.
غني عن القول أن موقع الإمارات ودبي الاستراتيجي والبنية التقنية واللوجستية وتطور البنية المتمثلة في المناطق الحرة والموانئ والمطارات يجعل مهمتنا أسهل لما لهذه المقومات من دور محوري في تعزيز التبادل التجاري بيننا وبين دول العالم خاصة في مجال المنتجات الحلال.
عندما أطلقت دبي مبادرتها لتكون عاصمة الاقتصاد الإسلامي، كان واضحاً أن الفرص ستكون كبيرة وستكتنز آفاقاً واسعة لأن الاقتصاد الإسلامي ليس خياراً ولا ترفاً بقدر ما هو ضرورة ، خاصة بعدما اختبرت مختلف عواصم العالم بدون استثناء تأثيرات الأزمة المالية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.
مع مرور الأشهر وانطلاق العديد من المبادرات الداعمة للمبادرة الأساسية من مختلف المؤسسات والجهات الحكومية والخاصة، بدأت تتكشف ملامح النمو الكبير الذي يعد به الاقتصاد الإسلامي. فالقطاع المصرفي في الإمارات يتمتع بقاعدة ضخمة من روؤس الأموال أو الاحتياطيات وصلت الى 3 .267 مليار درهم منها 44 مليار درهم روؤس أموال واحتياطيات المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية مع نهاية سبتمبر 2013.
وإصدارات الصكوك نمت على مستوى العالم بنسبة 30% في العام الحالي، والتوقعات تشير إلى نموه بنسبة 20% في العام 2015، ثم بنسبة لا تقل عن 15% سنوياً بين عامي 2016 2018.
خلال أقل من عام، لمس الجميع ميزة تنافسية أخرى لدولة الإمارات وإمارة دبي بعدما أصبحت ثالث أكبر مركز لإصدار الصكوك في العالم بقيمة إجمالية للصكوك المدرجة حالياً 22.23 مليار دولار .
أما التمويل الإسلامي فشهد هو أيضاً نمواً بنسبة 50% أكثر من القطاعات المصرفية التقليدية الأخرى على مستوى العالم، ووصل إجمالي الأصول المصرفية الإسلامية في دولة الإمارات إلى 95 مليار دولار في عام 2013، مقارنة بـ 83 مليار دولار في عام 2012، والتوقعات تشير إلى استمرار وتيرة النمو بنسبة 17% كمعدل نمو سنوي مركب وصولاً إلى عام 2018.
نعم، السؤال عن ريادة دبي والإمارات في قطاع الاقتصاد الإسلامي محق وضروري.
ولعل هذ التساؤل شكل لنا جميعاً حافزاً للتركيز على اقتصاد المعرفة وتحفيز الابتكار والإبداع معتمدين على ثقافتنا الإسلامية والدينية المنفتحة على الثقافات، وملتزمين أكثر فأكثر مع مزايا الاقتصاد الإسلامي ومبادئه النبيلة كالتشجيع على العمل، وتعزيز التكافل الاجتماعي، وتوجيه المشاريع إلى رعاية الأولويات المجتمعية.
نقلا عن سي ان ان