البيع على المكشوف أو البيع القصير، والشراء بالهامش أو بالحد، نوعان من البيوع العاجلة في البورصة، والتعامل عليهما أكثر شيوعاً في الأسواق الغربية. وهاتان الصورتان من البيوع هما أعلى صور المضاربة (بمفهومها الغربي ) [1] ، وإن شئت فقل المراهنة والمقامرة.
البيع على المكشوف أو البيع القصير Short Sale
الأصل في المعاملات أن تشتري السهم أولاً ثم تبيعه فيما بعد، وهو السلوك الطبيعي المتوقع من المتداول الذي يشتري السهم، على أمل أن ترتفع قيمته السوقية فيما بعد لتحقيق بعض الأرباح، غير أن هناك نمط آخر من المعاملات، وفيه يباع السهم أولاً ثم يشتري فيما بعد عندما تنخفض قيمته السوقية عن القيمة التي سبق أن بيع بها [2].
والبيع على المكشوف هو أن يبيع المتداول أسهم مقترضة من سمسار على أمل أن ينخفض سعرها فيشتريها ويعيدها للسمسار ويكون قد كسب بذلك الفرق بين سعر الشراء والبيع [3].
أو أن يبيع المتداول أسهم لا يملكها وعند التسليم يقوم بشرائها من السوق ويعطيها للمشتري، أو يقوم باقتراضها من آخر ويسلمها للمشتري، ثم يقوم بشراء تلك الأسهم بعد ذلك للمقرض، وهذه الصورة تسمى بالبيع على المكشوف أو البيع القصير، حيث يهدف البائع إلى الربح إذ أنه يتوقع انخفاض سعر الأسهم بعدما باعها وبالتالي يشتريها بثمن أقل مما باعها ويستفيد من ذلك [4] .
ومن المتبادر إلى الذهن أنه إذا لم تنخفض أسعار هذه الأسهم فسوف يخسر البائع بمقدار الإرتفاع.
مثال: نفرض أن شخصاً ما يتوقع انخفاض القيمة السوقية لسهم الشركه (س) خلال الفترة الزمنية القادمة، فأعطى أوامره للسمسار الذى يتعامل معه بأن يبيع له على المكشوف 100 سهم بالسعر الجارى وليكن 25 جنيه للسهم.
فإذا كانت توقعاته دقيقة وانخفض السعر إلى 20 جنيه للسهم، فإنه يعطى أوامره للسمسار بشراء الأسهم من السوق بالسعر المنخفض، ويعطيها للسمسار الذى اقترض منه تلك الأسهم التى باعها، ويكون قد حقق ربحاً قدره 500 جنيه.
الموقف الفقهى من البيع على المكشوف
الموسوعة الأمريكية عرفت البيع على المكشوف بأنه بيع الشخص لما لا يملكه بعد. والمثال المتقدم يوضح تماماً أن البائع والسمسار تاجرا بأموال غيرهما دون إذنهم ولا سابق علمهم، ولحسابهما الخاص وليس لحساب أصحاب الأسهم الحقيقيين، فلا السمسار يمتلك الأسهم التي أقرضها، والعميل المقترض لا يمتلك بالطبع الأسهم التي باعها، والمشترى لا يعلم أنه يشتري أسهماً لا يملكها بائعها. والرأسماليون الذين نشأت البورصة في أحضان بلادهم يقولون بأن البيع على المكشوف شر مستطير [5] .
وهذه العمليه تندرج تحت حكم بيع الإنسان ماليس عنده. وقد ورد النهي الصريح عن أن يبيع الإنسان سلعة لا يملكها أو سلعة معدومة أي غير موجودة وقت التعاقد. فعن حكيم بن حزام قال: يارسول الله يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي، أفأبتاعه له من السوق، قال: " لا تبع ما ليس عندك " [6] . والحديث ينطبق على الصورة التي يتم بها البيع على المكشوف في البورصة.
ولتحريم هذه الصورة من التعامل علة أخرى، وهي أن السمسار سيبقي حصيلة البيع معه كرهن للأسهم التي أقرضها للبائع، ويقوم باستخدامها في أي مجال استثماري يدر عليه عائد، وهذا هو سبب قبول السمسار إقراض الأسهم [7] ، والقرض إذا جرّ نفعاً فهو ربا [8].
وعليه فهذه الصورة من البيع لا تجوز شرعاً لأنها بيع لما لا يملكه البائع، ولوجود علة الربا.
الشراء بالهامش أو الحد Margin
وهو يشبه البيع على المكشوف من حيث أن كل منهما يقوم على القرض، ووجه الاختلاف أن المشتري بالحد يقترض من سمساره نقوداً يشتري له بها مزيداً من الأوراق المالية التي أصدر إليه الأمر بشرائها [9] .
وأساس التعامل في هذا النوع من البيوع أن يشتري العميل أسهماً بمبلغ معين من المال، في حين أنه لا يملك إلا جزء من قيمة هذه الأسهم " وهو الذي يسمى الهامش " فيدفعه للسمسار، ويقترض الباقي من سمساره بفائدة محددة، على أن ترهن الأسهم المشتراة عند السمسار كضمان للقرض، ويقوم السمسار بالإقتراض بضمانها من البنك ولكن بسعر فائدة أقل [10].
الموقف الفقهي من الشراء بالحد
لا إشكال في تحريم هذا النوع من التعاملات لأنها من صميم الربا لأن المشتري يقترض مالاً من السمسار بفائدة ثابتة محدده زمنا ومقداراً، والسمسار أيضاً يستخدم تلك الأسهم ليقترض بضمانها من البنوك بفائدة [11].
ثم إن نسبة المخاطرة والمراهنة على أسعار الأسهم ترتفع جداً في هذه الصورة بحيث تصبح من القمار، وينتج عن هذا أضرار عظيمة تصيب الأسواق بالكساد والبلاد بأخطر الأزمات، وهذا النوع من البيوع أحد أسباب أزمة الكساد الكبير سنة 1929، وكذلك انهيار البورصات في أكتوبر 1987 فيما وصف بأنه أكبر نكسة لها منذ أزمة الكساد الكبير [12] . وهذه الأضرار والمفاسد وحدها كفيلة بمنع هذه الصورة من صور بيع الأسهم فى البورصة [13] .
الفوركس أساسه الشراء بالهامش
فوركس Forex مختصر للمصطلح الانجليزي " foreign exchange market " وتعني المضاربة ( بمفهومها الغربي ) في البورصة العالمية للعملات الأجنبية.
وعلى الرغم من أن الفوركس ليس أحد أنواع بيوع بورصة الأوراق المالية إلا أن التعامل به يعتمد على نظام الشراء بالهامش Margin المستخدم في بورصة الأسهم، والذي يسمح للمتعامل أن يشتري بأضعاف رأس ماله حتى 500 ضعف دون أن يمتلك قيمة مايشتريه، فيتم تحرير عقد شراء عملات بالهامش بسداد جزء من قيمتها بينما يسدد الباقي بقرض بفائدة من السمسار مع رهن العملة محل العقد مقابل القرض، ويكون الهامش المدفوع هو التأمين النقدي الذي يدفعه العميل ضماناً لتسديد الخسائر التي قد تنتج عن تعامل العميل مع السمسار.
والشراء بالهامش في بورصة العملات يسمى leverage وتعني الرافعة المالية، وسميت بهذا الاسم لأنها ترفع قيمة الربح في حالة حدوثه.
مثال توضيحي:
عميل يمتلك 500 دولار ويريد التعامل في العملة فوركس ففتح حساب مع شركة وساطة مالية، وفرت له رافعة مالية بمقدار 50 ضعف مما يعني أن قدرته الشرائية أصبحت 25000 دولار، وأراد أن يشتري عقد " دولار/ استرليني " بقيمة 5000 دولار، فإن السمسار سيحجز 100 دولار من حساب العميل كهامش لمقابلة الخسارة ويشتري العقد بقيمة 5000 دولار، ويتبقى في حساب المتعامل مع شركة الوساطة 400 دولار هامش متاح لفتح صفقات جديدة.
• فإذا حدث ربح 50 دولار وأراد العميل إنهاء العقد فإن السمسار سيرد للعميل الهامش المحجوز بالإضافة إلى الربح ليصبح رأس مال العميل 550 دولار.
• أما إذا خسر العميل 50 دولار وأراد إنهاء العقد فإن السمسار سيخصم الخسارة من الهامش المحجوز ويرد الباقي للعميل ليصبح رأس مال العميل 450 دولار.
• وفي حال مقاربة خسارة العميل الهامش المتاح 400 دولار فإن السمسار سيغلق العقد بدون الرجوع للعميل وفي الغالب تكون النتيجة خسارة العميل لكل ماله في الفوركس.
عموماً فإن إحصائيات نتائج التعامل بالفوركس تؤكد على أن 90% من المتداولين الجدد يتكبدون خسائر فادحة في استثماراتهم، ويتمكن 5% من استرداد أموالهم، بينما يتمكن 5% من تحقيق أرباح.
الموقف الفقهي من الفوركس
الفوركس قائم على الشراء بالهامش الذي يعني الاقتراض من السمسار بفائدة، وهذا التعامل من صميم الربا.
الخلاصة مما تقدم يتبين حرمة التعامل ببيوع البورصة السابقة، بالإضافة إلى أن هذه البيوع تشير إلى وجود خلل وانحراف في المفاهيم الاقتصادية، فبينما الأصل في تملك أسهم الشركات المساهمة بالاكتتاب فيها في السوق الأولية أنه استثمار طويل الأجل يهدف إلى تأسيس مشاريع إنتاجية وخدمية جديدة، أو تطوير مشاريع قائمة لزيادة طاقتها الإنتاجية، بما يساهم في عملية التنمية وتدعيم النشاط الاقتصادي العيني الحقيقي، الذي ينتج السلع والخدمات باستخدام الأصول المادية الملموسة التي تمثل أصل الثروة المملوكة للمجتمع، كالأراضي والمباني والآلات والمواد لإنتاج السلع والخدمات التي هي أساس حياة البشر. وأن شراء أسهم الشركات من بائعيها في " السوق الثانوية " البورصة يكون بهدف الإحلال محل مالكيها في تملك حصة في هذه الشركات والاحتفاظ بها لفترة طويلة للحصول على نصيبها من الأرباح المتكررة الناتجة عن النشاط الفعلي الذي أسست من أجله هذه الشركات.
فإن هذه الأنواع من بيوع البورصة انحرفت بالأسهم عن وظيفتها الأساسية من أنها وثيقة أو عقد يثبت النصيب العيني والنقدي في موجودات الشركة على المشاع وتمنح مالكها نصيباً من ربح النشاط الاقتصادي للشركة، وحولتها إلى أوراق مالية تباع وتشترى في انفصال تام عن أصول الشركة التي تمثلها، ويراهن ويقامر على تذبذبات أسعارها اللحظية في البورصة لتحقيق مكاسب بعيداً عن الربح أو الخسارة الناتجة عن النشاط الاقتصادي الفعلي للشركة.
وبينما السيولة النقدية " العملات الورقية " ضرورية للنشاط الاقتصادي لأنها الوسيلة الوسيطة لتبسيط عملية الاشتراك في ملكية الأصول العينية للمشروعات، ولتيسير عملية تبادل ملكية هذه الأصول بين الأفراد، وتسهيل التبادل التجاري للسلع والخدمات بين الأفراد والدول.
فإن مبادلة العملات في البورصة بالفوركس خرجت بالنقود " العملات الورقية " عن وظيفتها الأساسية كأثمان وحولتها إلى سلع تباع وتشترى، ويراهن على تقلبات أسعارها اللحظية لتحقيق مكاسب، وهو مخالف لمقاصد الشريعة في حماية الأثمان من التقلبات.
إن تداول الأسهم والعملات في عمليات قائمة على الرهان والقمار تحت مسمى الاستثمار غير المباشر فيما يسمى " الأصول المالية " في البورصات المحلية أو العالمية، يعد إخراجاً للموارد المالية من دائرة النشاط الاقتصادي الإنتاجي إلى النشاط المالي الطفيلي الذي لا تستفيد منه المجتمعات.
فما يسمى بالأصول المالية التي يتم تداولها في بورصات العالم ما هي إلا أوراق ومستندات وهمية بشروط تعاقدية، يتم تنفيذها في سيل من المراهنات الشكلية يكتفى فيها بتسجيل الفروقات الناتجة عن تقلبات الأسعار اللحظية سواء كانت ربح أو خسارة في حسابات المتعاملين، دون بيع أو شراء، أو تسليم الأسهم للمشتري والثمن للبائع، أو تبادل فعلي للعملات، أو تمليك حقيقي للسلع محل التعاقد.
والذي يثب ذلك إحصائية أجرتها بورصة نيويورك كان نتيجتها أن القبض الفعلي لا يكاد يصل إلى (2%) من حجم التعاملات [14].
ويؤكد ذلك أيضاً أن السلع الدولية الموجودة فى المخازن المسجلة عالمياً يتم إبرام عقود بيع بكميات أكبر من الموجود منها ( البيع على المكشوف ) الذي يمثل النسبة الغالبة من العقود حوالى (98%) من العقود، وذلك اعتماداً على أنه لا يتم فى العادة تسليم السلع وإنما تجرى عملية تصفية للعقود بعقود معاكسه وأن التسليم الفعلى المادى أقل من (1%) [15] ! وهذه المقامرات هي سبب الأزمة المالية العالمية الراهنة.
مقال رائع وجزاك الله خير