استكمالا لما سبق الحديث عنه، سنحاول في هذه السطور تقديم شروحات مبسطة عن دور الفقه الاسلامي بشقه الخاص بالمعاملات في تطوير الاقتصاد والتمويل الاسلامي، وتحديدا سنحاول تقديم سطور مبسطة عن القواعد الفقهية الكبرى، من أمثلة القواعد الفقهية قاعدة: "الأجر والضمان لا يجتمعان"، فقد تبناها فقهاء المذهب الحنفي، أما عند الجمهور فيجتمعان وقال ابن قدامة: "لا يجوز أن تضمن العين ويسقط ضمان المنفعة، كما لو غصب عيناً ذات منفعة، فاستوفى منفعتها، ثم أتلفها، أو غصب ثوباً، فلبسه حتى أبلاه وأتلفه فإنه يضمن القيمة والمنفعة".
ومنها ايضا: قاعدة بعض الفقهاء: "قد ينتفع بما لا يجوز بيعه". فبناء عليها يجوز الاستصباح بالزيت أو السمن النجس والانتفاع به في الصابون وغيره، ولا يجوز بيعه وأكله. ومثال ذلك أنه يمكن إطفاء الحريق بالماء النجس والخمر ولا يجوز بيعه، وبمقابلها جاءت قاعدة أخرى بصيغة: "كل ما جاز الانتفاع به، جاز بيعه". فهي تمثل وجهة نظر أخرى في هذا الموضوع., وبناء على ذلك ينتفع بالزيت الذي تقع فيه الميتة بالبيع وبكل شيء ما عدا الأكل، على أن يبيعه و يبين.
ومنها ايضا: قاعدة ذكرها الإمام السمعاني من الشافعية بقوله: التصرف على الغير ممتنع وإن لم يتضمن ضرراً عليه". فقد أورد هذه القاعدة في معرض الدفاع عن تقرير بطلان تصرف الفضولي، وعلى هذا إذا باع مال الغير بغير إذنه فهو باطل. وهي مسألة خلافية معروفة بين الفقهاء. ولا حرج في وضع القاعدة الخلافية في صورة استفهام، وذلك لأن الاستفهام يثير انتباه القارئ أن هذه القاعدة ليست مسلمة، من أمثلة هذ النوع أيضا: قاعدة "الرخص لا تناط بالمعاصي"، فقد أخذ بها فريق من الفقهاء، بل جرى الخلاف فيها في ، نطاق مذهب فقهي واحد، كما هو الشأن في المذهب المالكي، وقد قام العلماء بتلخيص الخلاف الى نوعين:
1- القواعد الخلافية المذهبية، محل الاعتبار لدى بعض المذاهب الفقهية دون بعض.
2- القواعد الخلافية التي يقع فيها الخلاف – داخل المذهب - أي بين أئمة مذهب من المذاهب الفقهية، وهذا لا يمنع اشتراك بعض المذاهب الأخرى في تقريرها.
إذا عرفنا أن القواعد الفقهية ليست على مرتبة واحدة، فهذا راجع في الحقيقة إلى تنوع مصادرها ومكانة مستنداتها الشرعية... فمنها: قواعد مستنبطة من الكتاب أو السنة، ومنها: قواعد مستفادة قد تضافرت مجموعة من النصوص على تأييد معناها. ومنها: قواعد مبناها على القياس أو الاستقراء. ويستبين ذلك بجلاء بالنظر فيما يأتي من التقاسيم:
1- القواعد المستنبطة من كتاب الله تعالى:
هناك نصوص جلية بينة في كتاب الله تعالى، تعبر عن أحكام واضحة عامة، تستنتج منها قاعدة أو ضابط بسهولة، ويشهد لذلك ما جاء في قوله تبارك وتعالى:- (أحل الله البيع وحرم الربا) فمن خلال النظر في هذه الآية استنبط الفقهاء قاعدتين مهمتين، إحداهما: في تقرير أصل الحل في البيوع، والثانية: في حرمة الربا على أي وجه كان. ويظهر بالتأمل أن هذه الآية تتضمن جواز كل بيع قد خلا عن المحظور الشرعي، وتحريم سائر أنواع البيوع التي مآلها إلى الربا.
وعلى هذا النحو جاء استنباط الإمام السرخسي قاعدة في مجال الضمان وهي: "ضمان العدوان مقدر بالمثل": بالاستناد إلى قوله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به). فهذه الآية الكريمة وما في معناها من الآيات الكريمة الأخرى تمثل سندا أساسا في تقرير الضمان مع مراعاة المثلية بين الضرر والتعويض عنه بقدر ما أمكن في مجال التضمين والعقوبة.
2- القواعد المأخوذة من السنة المطهرة:
"كل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق" تجدر الإشارة في هذا المقام إلى نقطة مهمة وهي أنه ربما يتسع المجال لاستنتاج أكثر من قاعدة من نص تشريعي واحد، ويتمثل ذلك في التدليل على القواعد الثلاث المذكورة فيما يأتي:
- "ما حرم لعلة عارضة، فإن تحريمه يزول بزوال العلة"
- "إذا تغيرت الصفة، تغير حكمها"
- "تبدل سبب الملك كتبدل العين"
يستفاد مما تقدم أن النصوص التشريعية لها دلالات متعددة أحيانا، وبذلك قد يكون نص واحد دليلا لأكثر من قاعدة.
المراجع:
1- المدخل إلى قواعد الفقه المالي، د. علي أحمد الندوي، معهد الاقتصاد الاسلامي، جامعة الملك عبدالعزيز.
2- الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، زين الدين ابن نجيم، دار الكتاب العلمية.
3- القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، محمد مصطفى الزحيلي، دار الفكر – دمشق.
خاص_الفابيتا
شكرا لك ياغالي موضوع ممتاز ومفيد