«الديون السيادية.. الكارثة الاقتصادية المقبلة»
يردد معظم الاقتصاديين أن النمو أمر جيد، وأن الاقتصاد بخير طالما أنه ينمو، ولكن هذه النظرة قد تكون قاصرة في معظم الأوقات، وخصوصًا في هذا الوقت.
فمنذ اندلاع أزمة الرهون العقارية في العامين 2007 و2008 بات النمو العالمي مصدر قلق لكافة الاقتصاديات، مقدمة كانت أو نامية، صناعية أو ريعية.
ويكفي أن أذكر أن مجرد تخفيض صندوق النقد الدولي لتوقعاته للنمو في العام 2014 أثار موجة من القلق في الأسواق العالمية كلها، لم تقم عند أسواق المال، بل امتدت لأسواق السلع، حتى وصل النفط إلى مستويات قياسية.
فالنفط الذي يتداول اليوم عند 85 دولارًا كان قبل عامين يتداول عند أكثر من 100 دولار.
المشكلة تكمن في خلطنا بين النمو والرفاه. فقد أصبح المصطلحان مترادفين ومتلازمين بشكل يثير القلق. فالنمو هو ما يولد المزيد من الفرص الاستثمارية والوظيفية، ولكن عند تبسيط هذه المعادلة نجد أن فيها خللًا فاضحًا.
فلو فرضنا لدى عائلة ما مكونة من أب وأم وطفلين 10 آلاف ريال إضافية بنهاية العام، فإن هذه العشرة آلاف يمكن استخدامها لإضافة فرد جديد للعائلة (نمو)، أو المزيد من السلع والخدمات لكل فرد من العائلة (رفاهية).
وبالتالي لا يمكن استخدام العشرة آلاف الإضافية لتمويل كلا الأمرين، النمو والرفاه، وما يجري على العائلة الصغيرة يجري على الاقتصاد العالمي لأن الموارد المستخدمة ناضبة.
بين العامين 2004 و 2014 شهد النمو في إجمالي ناتج الاقتصاد العالمي زيادة قدرها 51% ترافق معها ارتفاع حاد في مستوى الدخل للفرد حول العالم. هذا الارتفاع الحاد لا يعني بالضرورة زيادة في رفاهية الفرد، ولكنه يؤكد زيادة استهلاكه للموارد الطبيعية.
مشكلة النمو العالمي أنها ترافقت مع نمو في الديون السيادية بشكل مطرد. فقد كان إجمالي ديون الحكومات حول العالم في العام 2004 نحو 26.4 تريليون دولار، في حين أنها تصل اليوم إلى 54.4 تريليون دولار، أي أن الديون تضاعفت وزادت عن نسبة النمو العالمي بنحو 50%، وهنا يكمن أساس المشكلة.
فاستدانة ريال اليوم يعني أن الاقتصاد لا بد أن ينمو في الغد ليرد هذا الريال بالإضافة إلى فوائده المستحقة، وبالتالي فإننا اليوم نستهلك ما سيدفعه أبناؤنا وأحفادنا في المستقبل.
نحن اليوم نستهلك نصف مواردنا الطبيعية لتمويل النمو، فماذا سيحدث عندما تمول الموارد الطبيعية المحدودة كامل النمو؟
وماذا سيحدث بعد ذلك؟
سنضطر إما إلى كبح جماح النمو أو التخلي عن مستوى الرفاهية الذي وضعنا نفسنا فيه.
بالطبع فإن الصورة ليست قاتمة كليًا، فالزيادة المتسارعة في التقنية تتيح لنا استخدام أكثر كفاءة لمواردنا الطبيعية المحدودة، ولكن يبقى سؤالان مهمان، هل استثمرنا ما يكفي لدفع عجلة التقنية بما يتوافق مع حاجتنا للنمو؟
وهل لاقتصادنا مساهمة في النمو التقني غير تصديرنا للنفط الخام؟ إجابة هذين السؤالين بصراحة تحدد موقع مستقبل اقتصادنا في العقود القليلة المقبلة.
نقلا عن اليوم
نمو أسمي غير حقيقي