يلمس زائر مصر هذه الأيام شعوراً بالثقة في مستقبل البلاد أكبر مما كان الوضع عليه قبل سنة، فهناك استتباب ملحوظ للأوضاع الأمنية على رغم الحوادث المتفرقة في القاهرة أو مدن أخرى، وبطبيعة الحال في سيناء.
لكن ما يهم المواطن المصري هو انعكاس الأمن على الأوضاع الاقتصادية ومن ثم تحسين الأحوال المعيشية.
لا تزال القطاعات الأساسية تعمل دون مستوى التشغيل الكامل، فالفنادق لا تعمل بكامل إمكاناتها، كما أن الصناعات التحويلية لا تزال بعيدة عن تشغيل يمكِّنها من تحقيق نتائج مالية طيبة أو على الأقل يؤهلها إلى تحمل تكاليف التشغيل، خصوصاً تكاليف اليد العاملة.
ولا تزال الحكومة المصرية تأمل من حلفائها العرب والأوروبيين والأميركيين ومؤسسات التمويل الدولية توفير أموال تمكِّنها من تحمل أعباء الإنفاق العام والدعم السلعي ومواجهة متطلبات الاستيراد.
هناك إذاً قصور في القدرات الذاتية، ولا يُتوقَّع توافر هذه القدرات خلال زمن قصير. ولا شك في أن الأعباء ثقيلة، فمصر ظلت عقوداً تعاني التزامات الديون المحلية والأجنبية.
وما يمكن الحكومة القيام به هو تبني سياسات لترشيد الإنفاق وتقليص مخصصات الدعم السلعي وتفعيل النشاطات الحيوية التي يمكن أن تقدّم إيرادات سيادية تعزز القدرات الوطنية لمواجهة تلك الالتزامات الأساسية.
لا يمكن أي مراقب أو باحث اقتصادي أن يحدد وصفة سحرية مناسبة تؤدي إلى تحقيق النتائج المطلوبة. لكن هناك إمكانات لتطوير القدرات على أسس منهجية خلال السنوات المقبلة.
معلوم أن مصر خلال العقود الستة الماضية ومنذ ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 لم تتمكن من تفعيل إمكاناتها الاقتصادية ولم تستطع أن تحول اقتصادها إلى اقتصاد معرفة، كما حدث في بلدان مثل اليابان بعد الحرب العالمية الثانية أو كوريا الجنوبية بعد الحرب الكورية عام 1953 أو تايوان خلال العقود الأخيرة، فتلك البلدان تمكنت من توظيف العلوم والمعرفة للارتقاء بأدائها الاقتصادي وتنتقل إلى مصاف البلدان المتقدمة اقتصاديا ومعيشياً.
وظلت مصر تعتمد على الموارد الطبيعية والقطاع السياحي الذي لم يصل إلى المستويات اللائقة بمصر.
أما الصناعات التحويلية فهيمنت البيروقراطية الحكومية عليها وارتفعت تكاليف تشغيلها وعجزت عن استيعاب التطورات التقنية الحديثة.
لكن الزراعة تراجعت كثيراً وأصبحت مصر مستوردة صافية للمواد الغذائية الأساسية وتراجعت صادرات القطن المصري التي كانت تمثل مصدراً أساسياً للدخل الوطني. لكن الاقتصاد المصري تأثر كثيراً بمتطلبات السياسة والحروب التي خاضتها مصر مع إسرائيل، ناهيك عن حرب اليمن.
واليوم تقتصر موارد مصر على قناة السويس والسياحة والتصدير السلعي وتصدير الغاز والنفط وتحويلات المصريين في الخارج.
لكن هذه الإيرادات لا تزال بعيدة من توفير رصيد نقدي يؤهل مصر إلى مواجهة التزاماتها الخارجية لزمن طويل.
وبعد ثورة كانون الثاني (يناير) 2011 انخفضت الأرصدة إلى مستويات متدنية قد لا تكفي لمواجهة متطلبات الاستيراد من السلع الأساسية لثلاثة أشهر لكن قيمتها قابلة للتحسين مع تصحيح السياسات المالية.
وتشير تقارير إلى أن إيرادات السياحة انخفضت في النصف الأول من العام بنسبة 24.7 في المئة إلى ثلاثة بلايين دولار وهو مبلغ منخفض قياساً إلى عام 2010 وما سبقه.
ربما تملك الحكومة المصرية الجديدة أفكاراً للخروج من مأزق الإمكانات، وهناك الآن مشروع القناة الموازية في السويس التي ستعزز حركة النقل البحري بين القارات من خلال هذا الممر المائي وتدر لمصر مبالغ مهمة.
وكان إقبال المصريين على الاكتتاب في إصدار التمويل الخاص بهذا المشروع لافتاً.
ويتوقع المسؤولون المصريون أن يرتفع دخل القناة من خمسة بلايين دولار سنوياً الآن إلى 12.5 بليون بعد الانتهاء من المشروع.
بيد أن هناك أهمية لتعزيز دور القطاعات الأخرى، ولا بد للحكومة من أن تولي اهتماماً أكبر إلى قطاع الزراعة لخفض الاعتماد على استيراد السلع الغذائية، فأداء هذا القطاع انخفض خلال العقود الماضية وانتقلت اليد العاملة الزراعية إلى العمل في المدن الرئيسة أو في بلدان الخليج في أعمال لا تنتمي إلى هذا القطاع.
وسيظل الاقتصاد المصري مقيداً بالنمو المتسارع للسكان الذي يفوق النمو الاقتصادي.
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد المصريين المقيمين في مصر بلغ 83.4 مليون شخص ناهيك عن ثمانية ملايين مقيم في الخارج.
وهذه تحديات أساسية تتطلب مقاربات مبتكرة.
نقلا عن الحياة