الصين مرة أخرى

23/09/2014 12
أحمد الخطيب

يستمر البنك المركزي الأوروبي في البحث عن حلول لمعالجة تداعايات الأزمة العالمية على اقتصاده، وتتوالى محاولات القيام بإجراءات تعطي زخما للأسواق لتدفع الاقتصاد نحو التعافي من جديد.

وكانت اخر تلك المحاولات هي تخفيض الفائدة للمرة الثانية في ثلاثة أشهر والإعلان عن تخصيص مبلغ اضافي لبرنامج إعادة التمويل المتاح للبنوك الاوروبية.

ولم يكن مستغربا عدم تجاوب الأسواق ايجابيا وذلك لعدة أسباب أهمها أن الإجراءات مكررة وليست جديدة بالإضافة إلى أن مبلغ 83 مليار يورو المخصص لبرنامج إعادة التمويل كان أقل من المتوقع، كما أن الإعلان لم يحدد تفاصيل البرنامج والبنوك المسفيدة.  في النهاية، أضاف كل ما سبق المزيد من الضبابية والغموض حول الوضع الاقتصادي الاوروبي.

في مكان اخر، انشغلت بريطانيا بالاستفتاء الاسكتلندي للانفصال عن بريطانيا وتداعياته. للمرة الأولى ارتفع صوت الاستقلاليين لدرجة القيام باستفتاء كانت نتائجه متقاربة نسبيا.

وكان الاستفتاء عاما سياسيا دون التطرق لتفاصيل الانفصال فيما لو حدث. فلا أحد كان يعرف أي عملة ستستخدمها الدولة المستقلة وما اذا كانت ستنضم للاتحاد الاوروبي وكيف سيكون توزيع الموارد الطبيعية وكيفية توزيع الديون السيادية وأمور أخرى شديدة الأهمية.

لحسن حظ الجميع لم ينجح الاستفتاء، وفي رأيي أنه لم يكن ليتم حتى لو حصل على أغلبية. فهو أجري بدوافع قومية سياسية صرفة، وكان المنوي عمله هو البدء بمفاوضات مع حكومة انجلترا للاتفاق على التفاصيل فيما بعد.

وفي رأيي أيضا أن مجرد إجراء الاستفتاء والضجة التي صاحبته، قد خفضا الثقة في تعافي الاقتصاد البريطاني. مع العلم أن الحكومة البريطانية وعدت بإعطاء اسكتلندا وويلز صلاحيات إضافية في الفترة القادمة مما يعني أن البحث لم يتوقف نهائيا.

في اليابان، ضعف أثر الإجراءات المالية التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي بداية العام مما دفع بالين الياباني للانخفاض الى مستويات متدنية قياسا بالسنوات السابقة مما زاد الضغوط على الشركات اليابانية ووضع علامات استفهام حول القوة الشرائية. رد السلطات المالية والاقتصادية كان أنهم سيكونوا على استعداد لأي عمليات تعيد الوضع إلى الاتجاه الايجابي، لكن بشكل عام ومبهم. 

أما في الولايات المتحدة الأميركية، تابع الاحتياطي الفيدرالي ورئيسته جانيت يالين، التخفيض التدريجي لبرنامج التيسير الكمي حسب ما هو مخطط على اعتبار أن الاقتصاد الأميركي يستمر في التعافي مع انخفاض نسبة البطالة وتحسن المؤشرات الاقتصادية. كما تم التلميح إلى قرب رفع أسعار الفائدة من جديد، فارتفع الدولار مقابل معظم العملات الأخرى.

واستمر الجدل حول حقيقة التعافي الاقتصادي وتحذير بعض الخبراء من ما يسمى "فقاعة السندات" كنتيجة لبرنامج التيسير الكمي المذكور.

بينما كان كل ذلك يحدث و يشغل الأسواق العالمية، كانت الصين تمر بأوضاع مختلفة، أذكر منها ثلاثة أمور شديدة الأهمية.

أولا، تم إدراج شركة "علي بابا" الصينية في بورصة نيويورك كأحد أضخم الإدراجات في التاريخ، ووصلت القيمة السوقية للشركة التي تأسست عام 1999 في عدة ساعات إلى مستويات قياسية فاقت قيمة العديد من الشركات العريقة. ويختلف هذا الإدراج عن غيره كونه يعتمد على التجارة والصناعة أساسا وليس من نوع شركات التواصل الاجتماعي الطارئة. 

ثانيا، قام الرئيس الصيني بزيارة الهند وتم الإعلان عن استثمارات مليارية في البنية التحتية الهندية، وبذلك سنرى أكبر دولتين في العالم من حيث عدد السكان تتشاركان في استثمارات ومصالح مستقبلية مشتركة.

ثالثا، ومن الناحية السلبية، تشير المؤشرات الاقتصادية إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني وصعوبة المحافظة على نسب النمو السابقة. إلا أن المهم ملاحظته هنا هو أن أي نسب سيحققها الاقتصاد الصيني سواء استمر بنفس الوتيرة أو تباطأ، ستكون أعلى من 7% وهي نسبة لا يحلم أي اقتصاد اخر في الوصول إليها في المدى المنظور.

إن القيام بمقارنة بسيطة للأوضاع الاقتصادية في المناطق والدول المذكورة، وهي أكبر المناطق الاقتصادية في العالم، يدل بالتأكيد على أن الصين وحدها لديها القدرة على التوسع والنمو وبالتالي زيادة قوتها الاقتصادية مقابل استمرار ضعف الدول الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن ما كنا نقوله سابقا عن قدوم الصين إلى الساحة العالمية كأقوى اقتصادية أصبح شيئا ملموسا لا يمكن تجاهله، فالاقتصاد الصيني سيكون الاقتصاد الأكبر في العالم قريبا جدا. 

في رأيي أن استمرار الدول الأخرى في اجترار الحلول القديمة و محاولة تطبيقها مرارا وتكرارا سيؤدي بها إلى الفشل بكل تأكيد. لن يكون هناك نمو اقتصادي بدون العودة إلى أساسيات الاقتصاد والصناعة، والنموذج الصيني خير دليل على ذلك.