من الملاحظ أن أسعار النفط قد انخفضت بشكل ملحوظ في الأسابيع القليلة الماضية بحيث وصل سعر نفط الأوبك مع نهاية يوم الخميس الماضي إلى 95,35 دولاراً للبرميل مقارنة بأكثر من 110 دولار عند منتصف يونيو، أي بانخفاض مقداره 15 دولار للبرميل وبنسبة 13,6%.
كما انخفض السعر في المتوسط السنوي من ذروته التي وصلها في عام 2012 وهي 109,45 دولار للبرميل في المتوسط إلى 104,44 دولار للبرميل حتى يوم الخميس 11 سبتمبر.
ويبدو أن السعر مرشح لمزيد من الإنخفاض في الأسابيع القادمة بتأثير مجموعة من العوامل التي باتت تضفط في هذا الإتجاه وهي:
1- من حيث سعر صرف الدولار الذي يُسعر ويباع به النفط، فإنه قد ارتفع بقوة في الأسابيع الأخيرة حيث سجل مستوى 107,3 ين لكل دولار و 1,29 دولار لكل يورو.
وهذا الارتفاع في أسعار صرف الدولار ناتج في الأساس عن عاملين الأول:
تحقيق الاقتصاد الأمريكي معدلات نمو قوية في الربع الثاني من العام تجاوزت 4% مقارنة بنمو ضعيف لاقتصادات أوروبا واليابان.
والثاني: توقع أن يُقدم مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي-في اجتماعه هذا الأسبوع- على تعليق برنامج التيسير الكمي المتمثل في مشترياته للسندات من البنوك، وهو ما سيؤشر إلى عودة أسعار الفائدة على الدولار للارتفاع.
المعروف أن هناك علاقة عكسية بين سعر صرف الدولار وأسعار النفط، بحيث تنخفض أسعار النفط مع ارتفاع سعر صرف الدولار، والعكس صحيح.
2- من الأسباب غير المباشرة التي تؤثر على توازنات العرض والطلب على النفط: تراجع حدة التوترات العالمية بعد تجاوز العالم لأخطر ما في مراحل الأزمة الأوكرانية، ودخول الحرب على غزة مرحلة التهدئة، وانحسار التهديدات المسلحة للثورة في ليبيا، وتراجع المخاطر التي تمثلت في نجاح داعش في السيطرة على حقول نفطية وتوسعها السريع خلال الصيف في سوريا والعراق بما ساعد على إسقاط حكومة المالكي.
3-ومع تراجع التوترات السياسية عاد انتاج الأوبك من النفط إلى الارتفاع بنحو 165 ألف برميل يومياً ليصل في شهر يوليو إلى مستوى 29,9 مليون ب/ي، وقد جاءت معظم الزيادة من السعودية وليبيا.
وتشير تقديرات سكرتارية الأوبك إلى أن ميزان النفط العالمي قد كان فائضاً في النصف الأول من العام الحالي بما يزيد قليلاً عن مليون ب/ي، حيث الطلب العالمي الإجمالي يزيد قليلاً عن 90 مليون ب/ي، والمعروض العالمي من دول الأوبك وخارجها يزيد قليلاً عن 91 مليون ب/ي.
4-أن أسواق النفط العالمية تراقب باهتمام تبدل وضع الولايات المتحدة من مستورد صافي للنفط الخام ومنتجاته وبكميات كبيرة كانت تصل إلى نصف احتياجاتها منه حتى نهاية العقد الماضي، إلى دولة مكتفية ذاتياً، ثم مصدرة له بفضل انتاجها من النفط الصخري غير التقليدي.
وتشير التوقعات إلى تزايد هذا الإنتاج في السنوات القادمة، مع احتمال أن تحذو دول أخرى حذو الولايات المتحدة في انتاج هذا النفط من الزيوت الصخرية.
هذه العوامل مجتمعة قد ضغطت على أسعار النفط وأدت إلى انخفاضها في فترة الصيف، التي يُفترض أن تنخفض فيها الأسعار لاعتبارات موسمية. وإذا استمرت العوامل ذاتها في الأسابيع القادمة، فإن المزيد من الانخفاض سيطرأ على الأسعار بحيث قد يهبط سعر برميل نفط الأوبك إلى ما دون مستوى 90 دولاراً للبرميل.
الإ أن هذا الانخفاض في الأسعار قد يكون محكوماً بعوامل أخرى، منها مدى قدرة الدول المنتجة للنفط التقليدي على التحكم في مستويات انتاجها كما فعلت في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، والتأثير السلبي للانخفاض السريع في أسعار النفط على الجدوى الاقتصادية لإنتاج النفط الصخري، وعودة التوترات ثانية إلى مناطق الانتاج الرئيسية في العالم.
كما ستتوقف أيضاً على مدى استمرار الدولار في الارتفاع أمام العملات الأخرى، وتأثيرات ذلك على معدلات النمو الاقتصادي في العالم.
وهذا ما سنحاول أن نتحدث عنه في مقال آخر إن شاء الله مع بيان تأثيرات هذا الانخفاض على الاقتصاد القطري.
الجدير بالذكر أن انخفاض أسعار النفط قد واكبها أيضاً حدوث انخفاض مماثل في أسعار الذهب، بحيث انخفض سعر الأونصة إلى مستوى 1230 دولار.