ترتبط عمليات غسيل الأموال بمفهوم التجارة الوهمية والتي لطالما انتهت بارتباطها بمتنفذين يديرونها بطرف خفي، ووفق تقرير حديث عن معهد بازل للحوكمة سجلت 19 دولة عربية تقدما مبهرا في عمليات محاربة تبييض الأموال المعروفة باسم «غسيل الأموال» جاءت سلطنة عمان وقطر في المراتب الأولى تلتهما الكويت والأردن والإمارات، في حين سجلت السعودية أكثر من ألفي قضية في عمليات غسيل الأموال من بنوك سعودية خلال هذا العام، وهذا التطور يكشف لنا تقدما جليا في مستويات الشفافية والحوكمة ومحاربة الفساد من جهة، كما يؤكد لنا أن هناك عمليات من هذا النوع تخترق مجتمعاتنا.
مخاطر غسيل الأموال كبيرة ومتشعبة منها الاجتماعية والأمنية والسياسية ولكن يهمنا الجانب الاقتصادي من كل ذلك فمثل هذه العمليات التي تخلق بيعا وصيغ بيع وهمية تتمثل في شركات ومحلات وعمليات، ونفوذ لأشخاص مما يؤدي إلى سيطرتهم على السوق ورفع معدلات التنافسية ذات المردود السلبي في استباحة السوق من خلال خفض الأسعار بطريقة تضر التجار الآخرين، وتهيمن على قطاعات تجارية بعينها، وتدير من خلالها شبكات أخرى من العمليات المستورة.
تعرضت دولنا العربية وبالتحديد منذ بداية الألفية الثالثة إلى اختراقات من قبل غاسلي الأموال وهذه العمليات كما نعرف تديرها عصابات المال والجريمة في العالم لا لحاجتها للمال بل لتنظيف نقودها عبر إقامة المشاريع المتوسطة في بلدان تفتقر لمعدلات الشفافية والمساءلة، العملية أشبه ببائع التجزئة الذي يبيع تجارته مقابل نقود «فراطة» وبعدها يذهب للبنك ليستبدلها بنقود ورقية ليسهل عليه العمل بها سواء في التجارة أو الاحتفاظ بها، كذلك هي عملية تبييض الأموال، وكانت بنوك «الافشور» التي تعرف بالبنوك الخارجية احد ابرز الأماكن التي يستهدفها هؤلاء.
لم تكن عملية تبييض الأموال جريمة يعاقب عليها القانون منذ أن ظهرت كأيدلوجية اقتصادية لدى أرباب السوابق والعصابات، فأول من أجرى عملية غسل أموال في العام1930مصرفيٌ يعمل محاسباً لدى زعيم أكبر عصابة «المافيا»،يدعى «ميرلانسكي»، فيقوم بتحويل النقود التي تجنيها العصابة من عمليات بيع المخدرات أو القمار أو تجارة التهريب أو الأنشطة الإباحية والرقيق، والسرقة والاختلاس والفساد المالي وغيرها من عمليات غير مشروعة ولكنها مربحة جداً، ومشكلتها أن مدخولها من الفئات النقدية الصغيرة، فلا يمكن صرفها في أنشطة كبيرة لذا يتحتم صرفها بوسائل أخرى كإعادة إدخالها في البنوك، عبر إبدالها بشيكات «عادية» أو سياحية أو حوالات مالية، ومع التطور التكنولوجي باتت الوسائل في متناول اليد الالكترونية كبطاقات الائتمان مثلاً وتداول العملات وحتى الأسهم، وكذلك عبر عمليات المقاصة والتسوية وإدارة الأنشطة الاستثمارية، وتلك تكون المرحة الثانية فلأنها جريمة لابد أن تمحى آثارها، بعملية «غسل» عبر الدخول في مشاريع تجارية، للتمويه و»تطهير» أموالها والتغطية على مصادرها المشبوهة.
نقلا عن اليوم