تناولت التشريعات في كل الدول تعريف جريمة غسل الأموال والعقوبات التي توقع على مرتكبيها، وأصدرت المنظمات الدولية والإقليمية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وأيضا كافة البنوك المركزية العديد من اللوائح والتعليمات المنظمة للاصطفاف لمحاربة جريمة غسل الأموال وتوابعها، وكل هذا انطلاقا من ضرورة السيطرة الكاملة على هذه الجريمة التي تشكل أضرارا كثيرة على الاقتصاد في المستويين الدولي والمحلي.
ولكن بالرغم من كل التحركات المنتشرة في كل الاتجاهات، إلا أن مرتكبي هذه الجريمة ظلوا يبتكرون في العديد من الطرق للالتفاف حول القانون وجهات تطبيق القانون.
وسيظل هذا السجال مستمرا إلى ما لا نهاية، ومن دون شك، لقد أتت الجهود المتواصلة في سبيل مكافحة غسل الأموال ومن جميع الجهات المختصة والبنوك بنتائج ممتازة تفوق كل التوقعات وفق الإحصائيات الصادرة من الدول والمنظمات.
ولقد أصبح المجرمون يترددون كثيرا بسبب تضييق الخناق عليهم من كل الجهات خاصة البنوك التي قامت ببذل الكثير من أجل تدريب العاملين لمعرفة غاسل الأموال القذرة بمجرد دخوله للبنك لأنهم قاموا بتطوير حاسة «شم» خاصة لالتقاط رائحة غاسل الأموال القذرة. ولكن اليقظة الواعية المتواصلة، من الجميع، ما زالت ضرورية حتى لا يتسرب الماء من تحت الأيادي.
وللمزيد من التضييق والإجراءات في مكافحة جريمة غسل الأموال ومعاقبة مرتكبيها، تم إصدار العديد من التشريعات أو إضافة أحكام خاصة لتجريم بعض الأعمال المرتبطة بجريمة غسل الأموال.
والغرض من ذلك تحقيق المزيد من الحذر المطلوب لقفل الباب أمام هذه الجريمة «العابرة» والتي تعبر القارات بخفاء تام وفي همة ونشاط للبحث عن أي مكان يسهل الهبوط فيه مما يؤدي لفتح ثغرة في المنظومة العالمية المتماسكة في وجه هذا النوع من الإجرام المستشري والضار بكل المجتمعات.
من الأفعال المرتبطة بجريمة غسل الأموال، والتي يعتبر ارتكابها في حد ذاتها أيضا فعلا إجراميا يعاقب عليه القانون نذكر مثلا، الامتناع عن تبليغ الجهات الرسمية المختصة عن أي فعل أو تصرف قام به أو يقوم به أي شخص أو جهة، وتم العلم به، وهو بقصد ارتكاب جريمة غسل الأموال.
ومن هذا التوجه فإن قاعدة محاربة ومكافحة غسل الأموال أصبحت واسعة وتغطي الجميع لأنها ألزمت كل من يعلم بأي فعل أو تصرف كان ومن أي شخص كان وبقصد غسل الأموال بضرورة التبليغ عما يعلمه للجهات الرسمية المختصة وهي بدورها ستقوم بإجراء اللازم استنادا على هذا التبليغ.
وبالطبع سيتم اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية وفق الضوابط القانونية المتبعة والسليمة. وعليه، فإن من لديه علم عن ارتكاب جريمة غسل الأموال يجب عليه التبليغ وإلا فإن فعله «السلبي» بالامتناع عن التبليغ يعتبر جريمة قائمة بذاتها لأن «غض الطرف» في مثل هذه الحالات والامتناع عن التبليغ يعتبر تسهيلا لارتكاب الجريمة ومساعدة للمجرمين الناهشين في جسم المجتمع ومن قام أو يقوم بالتبليغ هو جزء من المجتمع يتأثر بكل ما يحدث له.
ولقد قامت الجهات المختصة بتدبير الإجراءات القانونية السليمة التي تضمن كيفية التحقق من صحة المعلومات وكذلك توفير الحماية القانونية المطلوبة لكل من قام أو يقوم بتقديم المعلومات حتى يتعاون وهو مطمئن القلب.
أيضا إذا تم إصدار أي قرار أو تعليمات من جهات التحقيق الرسمية أو من المحاكم المختصة بناء على طلب جهات التحقيق ويختص بجريمة غسل الأموال فإن أي شخص أو جهة، يمتنع عن تنفيذ هذا القرار أو التعليمات أو يعطل أو يعرقل التنفيذ أو يقوم بإخفاء هذا القرار أو التعليمات بأي طريقة تمنع من العلم به، يعتبر مرتكبا لجريمة مرتبطة بجريمة غسل الأموال وعليه ينال العقوبة اللازمة لارتكابه لهذا الفعل.
وهذا لمنح القرارات والتعليمات الصادرة من جهات التحقيق الرسمية بخصوص جريمة غسل الأموال، القوة القانونية التي تردع كل من يقف في وجهها بأي سبيل كان. خاصة أن عمل جهات التحقيق قد يتعطل أو يتضرر بسبب عدم التعاون أو عدم الاهتمام ممن يجب عليهم تقديم المساعدات المطلوبة، والبعض من هؤلاء لسوء الحظ لا يعمل إلا إذا شعر بأن يد القانون ستطاله لموقفه السلبي أو لسوء نيته.
كذلك فإن القانون ينص على ضرورة عدم إفصاح أي شخص أو جهة عما يعلمه أو يصل لعلمه من أي إجراءات أو تحقيقات تتم بشأن أفعال مرتبطة بجريمة غسل الأموال أو للتأكد من الشك في ارتكاب جريمة غسل الأموال، لأن كل هذه التحقيقات والإجراءات يجب أن تتم في سرية تامة تحت غطاء القانون وذلك حتى لا يتنبه المجرمون بانكشاف أمرهم وفعلتهم.
وعليه فإن من يقوم بكشف المعلومات والأسرار، لمن تتم التحقيقات بشأنه عن جريمة غسل الأموال، يعتبر مخالفا للقانون وينال العقاب بسبب الإفصاح والتنبيه الذي يضر بالتحقيقات.
وهذا الأمر مهم جدا وخاصة في البنوك لأن بعض الموظفين وبحكم وظائفهم لديهم علم بما يحدث من التبليغ أو باتخاذ تحقيقات أو إجراءات خاصة بجريمة غسل الأموال أو وجود الاشتباه في القيام بها، وكل ما يتم في هذه المرحلة الحساسة يحتاج للسرية المطلقة ومن يكشف هذه السرية بأي طريقة يعاقبه القانون حتى لا تذهب الجهود القائمة دون فائدة.
من كل هذا يتم توسيع نطاق دائرة مكافحة ومحاربة جريمة غسل الأموال لأن القانون يحظر ويعاقب أشخاص لم يقوموا بارتكاب الجريمة مباشرة وإنما قاموا بارتكاب أفعال مرتبطة بدرجة ما بجريمة غسل الأموال، وعدم معاقبة مثل هؤلاء سيضر بفلسفة مكافحة جريمة غسل الأموال بل قد يقتلها في مهدها نظرا للارتباط بين هذه الأفعال واكتمال جريمة غسل الأموال أو تسهيل ارتكابها.
والغرض من كل هذه الخطوات التشريعية أن يتم أخذ المزيد من الخطوات الحازمة في مواجهة هذه الجريمة النكراء ومرتكبيها وجميع من يقف خلفهم بأي درجة كانت.
وكل هذا التوجه، من أجل قفل الباب أمام كل أنواع الأموال القذرة ومحاربتها عبر كل المنافذ حتى لا تجد طريقا للقبول و«التدوير» ضمن الأموال النظيفة الحرة. ومن أجل تحقيق هذا الهدف السامي لنتحد جميعا صفا واحدا متماسكا لنحمي أنفسنا ومجتمعنا من هذه الجرائم العابرة للقارات للحصول على الشرعية المفقودة.
نقلا عن جريدة عمان