التحكّم بأسعار السِّلع.. النفط مثال.

25/08/2014 0
سلطان مهنا المهنا

قبل سنوات قليلة في مقالة سابقة تطرقت إلى الأسباب والمبررات التي تُقدَّم عبر وسائل الإعلام المختلفة كسبب رئيسي لتذبذب أسعار النفط حيث يمثل العامل النفسي للمستثمرين بجانب تعدد الاحتمالات والمخاطر أهم العوامل التي يستفيد منها المضاربون وتساعد في التأثير على مسار الأسعار الفورية صعوداً أو هبوطاً على حدٍ سواء، وذلك بتنفيذ عمليات شراء عند الانخفاض أو بيع عند الارتفاع.

بعض المصادر أحصت عدد الأسباب خلال الفترة مابين منتصف عام 2007م وحتى نهاية 2008م فوجدت أن هناك أكثر من 170 سبباً مختلفاً قُدِّمت كعذر أو مبرر لارتفاع أو انخفاض الأسعار الفورية خلال تداولات أسواق النفط والتي تعمل 253 يومًا في السنة تقريباً، بمعدل 21 يوم شهرياً، علمًا أن العديد من الأسباب أو المبررات قد تتكرر عدة مرات بمعدل اثنين إلى أربعة يومياً تقريباً.

منها على سبيل المثال وليس الحصر زيادة أو انخفاض مخزون النفط الخام الأمريكي(Crude stocks) ، ارتفاع أو انخفاض الدولار، الأحوال الجوية، إغلاق المصاف النفطية نتيجة لتعرضها لمشاكل فنية تخريبية أو نتيجةً لتعرضها لعوامل طبيعية كالأعاصير، النمو المتزايد على استهلاك النفط في الصين والهند، عدم وجود سعة إضافية (spare capacity) من النفط بجانب المملكة، محدودية إنتاج المصاف النفطية، الأوضاع الأمنية والسياسية في أو بالقرب من مناطق إنتاج النفطـ،أعمال التخريب لخطوط نقل النفط في نيجيريا والعراق، عملية خطف العاملين في الصناعة النفطية. 

تلك الأسباب وغيرها تعد من أهم ماقُدِّم كمبرر لانخفاض أو ارتفاع الأسعار، هذا بالإضافة إلى المؤشرات الاقتصادية والنقدية كأسعار الصرف والفائدة، معدلات التضخم، البطالة وغيرها من مؤشرات أخرى والتي تعطي دلائل على حالة وتوجُّه الاقتصاد.

ويأتي في المركز الأول كسبب رئيسي لتذبذب أسعار النفط "بيانات مخزون النفط الخام الأمريكي Crude stocks" التي تصدر أسبوعياً، والتي تعد من أهم العوامل المؤثرة والأساسية لتذبذب أسعار النفط خاصة في السنوات القليلة الماضية سواءً بالانخفاض أو الارتفاع، من جانب آخر أيضًا تعد المخزونات النفطية مقياس التوازن بين الإنتاج والطلب لأنها تعكس ضغوط السوق على أسعار النفط الخام، وهذا بالتالي يوفر مقياساً جيداً لتغيير الأسعار.

على سبيل المثال زيادة المخزون تؤدي إلى انخفاض الأسعار لأنها تعد مؤشرًا على بطء النمو الاقتصادي الأمريكي، وبالتالي انخفاض الطلب على الاستهلاك والطاقة مستقبلاً، من جهةٍ ثانية انخفاض المخزون الأمريكي من النفط الخام يعني زيادة الطلب وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بسبب مخاوف من قلة في المخزون خاصة في فصلي الشتاء (لوقود التدفئة) والصيف (لوقود السيارات)، لذا نرى بأنه في كلتا الحالتين _سواءً بزيادة أو نقص في المخزون_ هناك تذبذب للأسعار سواءً بالارتفاع أو الانخفاض بسبب التأثير النفسي على المستثمرين.

ويتجة الاتهام في مسالة خفض او رفع الاسعار دوما الي المضاربين في سوق السلع ربما اتهام  صحيح الي حدا ما في ضل الضروف العادية لكن في ضل الضروف الغير عادية والتي تهدد امن الولايات المتحدة فالامر يختلف تماما من أهم الأحداث التي وقعت و التي ثبت من خلالها أن أسعار النفط لا تخضع لعامل السوق _وهو العرض والطلب_ ما حدث خلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001م؛ حيث كانت الأسعار مع بداية شهر سبتمبر 2001م و حتى يوم الإثنين الموافق 10 سبتمبر _أي قبل يوم واحد من وقوع الهجمات على مركز التجارة العالمي بنيويورك_ كانت الأسعار تتراوح ما بين 26 إلى 27 دولارًا للبرميل، بمعدل يصل إلى 27,50 دولار للبرميل، في يوم الثلاثاء الموافق 11 سبتمبر _وقت وقوع الهجوم_ كانت الأسعار بحدود 27,65 للبرميل، وفي اليوم التالي للهجمات كانت الأسعار عند 27,64 ، في الخميس _اليوم الثالث_ ارتفعت الأسعار ارتفاعًا طفيفاً عند 28,58 للبرميل، حتى وصلت يوم الجمعة إلى 29,59. 

إذن لو أخذنا معدل أسعار التداولات منذ بداية الهجمات و حتى نهاية الأسبوع الثاني من الهجوم في 21 سبتمبر 2001م نرى أنهُ لا يوجد اختلاف على الإطلاق تقريباً في معدل الأسعار لمدة 9 أيام بعد الهجمات، حيثُ وصلت الاسعار إلى 27,65 باختلاف طفيف عن معدل اسعار ماقبل الهجمات عند 26,50 دولار للبرميل، بل إن الأسعار استمرت بالانخفاض من يوم 24 وحتى نهاية تداولات شهر سبتمبر 2001م، و تراوحت الأسعار بين 21 و23 دولار بمعدل وصل إلى 22,3 دولار للبرميل.

مثال آخر أيضاً خلال حرب الخليج الثانية واحتلال الكويت و حرق آبار النفط من قبل القوات العراقية في 2 أغسطس 1990م وحتى تحرير الكويت في 28 فبراير1991م وهو حدث يهدد  بتوقف اكثر من 50% من احتياطي العالم من النفط الخام فانتاج العراق وايران محدود او  متوقف بسبب حرب الخليج الاولى وابار النفط في الكويت احرقت النفط السعودي مهدد من قبل قوات النظام العراقي كل هذا التهديدات والمخاطر ادت الي زيادة نسبة تعادل 28% تقريباً عن أسعار ما قبل الأزمة فقط، حيث كانت الأسعار عند الاجتياح 23,71 دولارًا للبرميل بنهاية الحرب رسمياً في 28 فبراير من عام 1991م كانت الأسعار عند 19,28 دولارًا للبرميل حيث سجل أعلى سعر خلال الأزمة عند 41,7 دولارًا للبرميل في 11 أكتوبر من عام 1990م، و أدنى سعر في 22 فبراير من عام 1991م عند 19,43 دولار للبرميل أي بمعدل يصل الي 30,50 دولار للبرميل,خلال فترة 7 أشهر من الأزمة بنسبة زيادة تعادل 28% تقريباً عن أسعار ما قبل الأزمة (23,71 دولارًا للبرميل).

وهذا يقودنا إلى ما تشهده المنطقة في الوقت الحالي؛ فعلى الرغم من الأوضاع الأمنية والسياسية شديدة الخطورة في أو بالقرب من مناطق إنتاج النفط مثل ليبيا والعراق أو الأخطارالمحيطة بدول الخليج من دول الجوار التي تعيش فترة حروب أهلية كما في سوريا واليمن إلا أن معدّل الأسعار ظلّ متماسكًا، و نسبة التذبذب محدودة جداً؛ فخلال الثلاث سنوات ونصف الماضية وتحديداً منذ بداية عام 2011م وحتى منتصف عام 2014م وصل معدل الأسعار إلى 97 دولار_وهي قريبة من معدل السعر الحالي 93 دولار للبرميل_ بحد أدنى 84 دولارًا للبرميل في الأسبوع الأول من شهرأكتوبر 2011م، وحدّ أعلى 110 دولار للبرميل في 28 أغسطس 2013م. 

على هذا الأساس أقول أن أسواق النفط والمضاربين بحاجة دوماً إلى أسباب و مبررات مثل خطف عُمّال في مصفاة أو تعطيل خط ينقل مائة ألف برميل نفط خام في نيجيريا مثلا مما يؤدي إلى تذبذب كبير للأسعار وتحقيق ارباح عالية, لكن في حال حدوث أزمات خطرة كالأحداث الحالية بالمنطقة أو حرب الخليج و أحداث 11 سبتمبر نسبة تذبذب الأسعار تظل في نطاقٍ محدود جداً مقارنةً بالمخاطر التي وقعت، و بالتالي هذا يؤكد ما أفاد به الكثير من المحللين دوما بأن جميع أسعار السلع بما فيها النفط عرضة للسيطرة ولاتخضع تماماً لحرية السوق عن طريق العقود الآجلة في سوق المشتقات والتي تؤثر بشكلٍ مباشر على مسار الأسعار الفورية.

جدول الأسعار الفورية اليومية لخام وست تكساسWTI

خلال الفترة من 3 سبتمبر 2001م وحتى نهاية عام 2001م.المصدر إدارة معلومات الطاقة الأمريكيةEIA