أصبحت المُنشآت الصغيرة والمتوسطة في دول العالم المتقدم تُشكل حيزًا مُهمًا وكبيراً من النشاط الاقتصادي في أي دولة وإقليم وبدأ الاهتمام بها وبشكل أكبر وخاص في الدول النامية لأهميتها وقدرتها ومرونتها في توفير فرص العمل وتوطينها، وهي لا تَقل أهمية عن المُنشآت والمؤسسات الكبيرة بل تُعتبر هذه المشروعات والمُنشآت عاملاً مُكملاً ومُساعداً لعدد كبير منها، وخاصة في القطاعين الصناعي والزراعي.
إن المُنشآت الصغيرة والمتوسطة في البلدان العربية لا زالت تُسهم في استيعاب نسبة عالية من حجم القوى العاملة، والتخفيف من حجم الباحثين عن عمل وتحقيق النمو المتوازن في المدن والمناطق والأرياف بسبب انتشارها الواسع، ومحدودية تمويلها، وببساطة إنتاجها، واعتمادها على المُدخرات الشخصية لملاكها وصعوبة حصولهم على التمويل اللازم من قبل مؤسسات الإقراض المتخصصة والبنوك التجارية والاستثمارية.
وكما نعلم بأن القطاع الخاص يُسيطر على غالبية اقتصاديات الدول وخصوصاً المُتقدمة منها، ويمتلك هذا القطاع ويُدير حوالي أكثر من 95% من إجمالي أعداد المُؤسسات والشركات والمُنشآت المُسجلة.
وتلعب المُنشآت الصغيرة والمتوسطة دوراً هاماً في القطاع الخاص تحديداً، لأنها تُساهم بما يُقَدّر بِـ 50% من الناتج المحلي الإجمالي، كما تُشغل حوالي 60% من إجمالي قوة العمل.
وبينما يعمل عدد كبير من المُنشآت الصغيرة والمتوسطة في نشاطات التجارة والبيع بالجملة، فإن شركات الإنتاج تمثل حوالي 14% من هذه الأعمال كما جاء بأحد التقارير الدولية.
ولما لهذا القطاع من أهمية بدأت العديد من الدول بالتفكير لا بل السير بتنظيم أعمال تلك المؤسسات وتطويرها وتنميتها، لا بل أيضا بإدراج أسهمها في البورصات المالية إما من خلال أسواق موازية و/أو إنشاء أسواق وبورصات مالية مُتخصصة لتلم الفئة من المُنشآت وذلك بهدف مُساعدتها على الوصول إلى مصادر التمويل المالية والاستثمارية واستقطاب المُستثمرين وصناديق الاستثمار ذات رأس المتال المُغامر والمُتخصص بتلك الأنواع من المؤسسات والمنشآت.
وتلعب المشاريع الصغيرة والمتوسطة دوراً أساسياً في نمو أي اقتصاد، إلا أنَّ العديد من تلك المشاريع والشركات ينقصه رأس المال اللازم لتحقيق النمو، الأمر الذي يمكن تحقيقه من خلال القيام باكتتابات عامة أولية في الأسواق المالية تتيح لها جمع التمويل اللازم والمطلوب.
وكان هذا كله نتيجة اهتمام الحكومات في العديد من دول العالم بها وبسبب قدرتها الكامنة على معالجة قضايا هامة وخصوصاً فيما يتعلق بالتشغيل والتدريب والتطوير والاستثمار.
وكانت من أوائل الدول الشرق أوسطية والتي قامت بتأسيس أول بورصة مالية (بورصة النيل) لقيد وتداول الشركات المتوسطة والصغيرة، حيث ستوفر بورصة النيل فرص التمويل والنمو للشركات ذات الإمكانيات الواعدة في كافة المجالات ومن كافة دول المنطقة بما في ذلك الشركات العائلية بهدف مُساعدة هذا القطاع على ايجاد التمويل اللازم والكافي للتغلب على المعوقات التي يواجهها والتي تحد من نموه وقدرته على المنافسة وايجاد فرص عمل جديد في هذا القطاع الذي يشكل أساس الاقتصاد في أي دولة.
ولتحديد ماهية تلك الشركات واحجامها ورؤوس أموالها قامت هيئات الأسواق المالية كل على حدة بتصنيفها وتبويبها وترتيبها لكي تتوصل الى ماهية ونوعية الشركات الصغيرة والمتوسطة التي من الممكن ان تقوم بإدراج وقيد أسهمها لدى تلك الأسواق كما حدث في مصر ودول أوروبية أخرى والعمل أيضاً جار في سلطنة عُمان ودولة قطر وإمارة دبي كما تم الإعلان عنه سابقا عن نيتهم تأسيس بورصات مُتخصصة للشركات الصغيرة ومن المُمكن المتوسطة وذلك كخطوة جديدة نحو تطوير قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في تلك الدول أسوة بدول سبقتها.
وللحديث أكثر عن الكيفية والماهية المطلوبة في تأسيس تلك الأسواق والبورصات، يتوجب أن تكون هنالك شروط وقواعد للإدراج كما هو الحال الآن في إدراج وتداول الأسهم للشركات الكبرى سواء كان محلياً و/أو إقليميا و/أو دولياً ومنها ما يتعلق بالقوائم المالية و/أو عدد الأسهم المدرجة و/أو حجم رؤوس الأموال ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:
1.ضرورة أن يكون قد أصدرت الشركة التي يُراد إدراج أسهمها قوائم مالية مُدققة على الأقل لمدة عام واحد قبل تاريخ الإدراج.
2.أن تكون حقوق المُساهمين في الموجب وليس هنالك خسائر مرحلة.
3.أن يكون رأس المال مدفوعا بالكامل.
4.أن تكون هنالك نسبة متفق عليها للأسهم المُتاحة أو بما يُسمى الأسهم الحرة للتداول بدون قيود.
5.ألا تكون هنالك قيود على نسب التملك أو كما جاء بالقوانين المحلية لكل دولة.
6.أن تكون القيود والإجراءات أقل تشدداً من القيود والإجراءات المعمول بها في الأسواق المالية النظامية والخاصة بالشركات الكبرى وذلك بسبب عدم وجود الخبرات الكافية والمؤهلة لتلك الشركات للتعاطي مع بعض المتطلبات القانونية والتنظيمية.
7.أن يكون التداول من خلال جلسات مزاد علني وبدون وجود أية حدود سعرية إلا إذا اقتضت الضرورة وطبقاً للدراسات والأبحاث لكل سوق على حدة بهذا الخصوص.
8.أن يتم تحديد سعر الإغلاق و/أو التداول على أساس السعر الموزون بالكمية وليس على أساس آخر سعر إغلاق و/أو تداول للحد من وجود أية تلاعبات في الإغلاقات في أسعار الأسهم.
واعتبر العديد من الباحثين والمُستثمرين بإطلاق هذه البورصات بمثابة خطوة مهمة نحو تطوير الأسواق المالية للشركات الصغيرة والناشئة.
ويهدف في العادة الإدراج لتلك الأنواع من الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى مُساعدتها في الحصول على مختلف الأنواع لمصادر التمويل المالي اللازم والطويل الأمد لأعمالها من أجل تطورها ونموها.
ومن الممكن أيضاً تطوير مؤشرات لقياس أداء تلك البورصات واستحداث الأدوات المالية والمؤشرات القياسية بهدف زيادة القدرة التنافسية وتلبية احتياجات المستثمرين بتوفير الأدوات اللازمة لقياس أداء السوق، وقياس أيضاً أداء الشركات المُدرجة لديها سواء كان من خلال الربحية والنمو والتطور والمنافسة ومدى قدرتها على تعزيز أعمالها التجارية والاستثمارية واستقطابها أيضاً للمُستثمرين الصغار والكبار منهم وايضاً لرؤوس الأموال الأجنبية.
ومن الممكن أيضاُ أن يتم تحويل بعض من تلك الشركات الصغيرة (عند الإدراج الأولي) للأسواق المالية النظامية وذلك بعد تحقيقها لشروط مالية وتنظيمية وتشريعية مُعينة كمها على سبيل المثال رأس مال كبير وإعلانها عن عدد مقبول من قوائم مالية مُدققة والوصول إلى حجم لرأس المال وقدرتها أيضاً على استقطاب رؤوس أموال أجنبية وتحقيقها لأحجام مبيعات ودخل بأرقام مُعينة.
ومن أكبر المشاكل التي تواجهها تلك الأنواع من البورصات الخاصة بالشركات الصغيرة والمتوسطة هو عدم قيام غالبية بيوت الأبحاث وبنوك الاستثمار بإجراء تغطية مالية وبحثية مناسبة تُساعد وتدعم قرارات المُستثمرين والبنوك التجارية والشركات والصناديق الاستثمارية بقراراتهم والعمل على زيادة نسبة الأسهم المُتاحة للتداول في تلك الشركات كخطوة من قبل إدارات البورصات لتنشيط مُعدلات التداول.
إنَّ إنشاء بورصات مُتخصصة بالمُنشآت الصغيرة والمتوسطة بكل تأكيد سيُحفِّز استمرارية نموّ واستمرارية ونجاح قطاع المؤسسات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، الأمر الذي سيعزز من أداء اقتصاد أي دولة ويوفر فرص عمل مميزة للمواطنين، وكذلك سيعزز من قدرة ومتانة الاقتصاد في تلك الدولة.
نقلا عن عُمان