هل كان لدى الإدارة الأمريكية علم مسبق بقدوم البترودولار قبل إلغاء اتفاقية بريتون وودز؟

06/07/2014 6
سلطان مهنا المهنا

في عام 2009م أفرجت وزارة الخارجية الأمريكية عن عدد من الوثائق الرسمية التي تتعلق بالسياسة الاقتصادية والنقدية للولايات المتحدة خلال الفترة من عام 1969م-1972م، وهي فترة هامة جدًا ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي التجاري، المالي والنقدي منذ ذلك الوقت و ما زالت حتى الآن، على الرغم من مضي أكثر من أربعة عقود، والوثائق المفرج عنها عبارة عن تفاصيل لاجتماعات ومقابلات للإدارة الأمريكية والتي أدت بنهاية المطاف إلى إعلان الرئيس (نيكسون) في 15 أغسطس من عام 1971م عن إغلاق نافذة الذهب والتوقف عن مبادلة الذهب بالدولار طبقًا لمعاهدة (بريتون وودز).

طبقا للوثائق المفرج عنها وغيرها (جون كوناللي John B. Connally ) وزير الخزنة في إدارة الرئيس (نيكسون) اعتقد بأنه لو لم يكن موجودًا في الإدارة الأمريكية ذلك الوقت ربما أن التاريخ كان سيُكتَب بطريقة مختلفة عمّا آلت إليه الأمور، (كوناللي) كان هو محور وأساس تخلي الولايات المتحدة عن اتفاقية (بريتون وودز) أو كما يقال من (الألف إلى الياء A TO Z) فقد كان متواجدًا قبل وأثناء وبعد قرار الرئيس (نيكسون).

إن تعيين (جون كوناللي) كوزيرًا للخزنة _علمًا أنه ديمقراطي على عكس الرئيس (نيسكون) وهو جمهوري على الرغم من معارضة الكثيرين لهذا التعيين_ كان أمرًا غريبًا، فقد جاء إلى إدارة الرئيس (نيكسون) في 11 فبراير من عام 1971م أي قبل 5 أشهر من توقف الولايات المتحدة عن صرف الدولار مقابل الذهب وغادر في 12 يونيو من عام 1972م، أمضى أقل من سنة ونصف في إدارة الرئيس (نيكسون)، قام بكل خطوة أدت إلى إلغاء اتفاقية (بريتون وودز)، كان يعرف ما الذي يجب عمله كأنهُ رجل في مهمة خاصة أو جاء من أجل هدف واحد؛ فبعد أن أدى ما جاء من أجله غادر، أي أنهُ شخصيًا قَدِم لإدارة الرئيس (نيكسون) من أجل مهمة واحدة وهي دعم أو إقناع أو الضغظ على (نيكسون) من أجل التخلي عن اتفاقية (بريتون وودز).

حتى في صباح اليوم التالي لقرار الرئيس (نيكسون) أي في 16 أغسطس 1971م كان هناك نوع من الفوضى من قبل الشركات والعمال عن كيفية التعامل مع قرار التجميد حيث كان الأمر الرئاسي ينص على تجميد الأسعار والأجور فيما عدا المنتجات الزراعية لمدة تسعين يوم، لم يكن أحد يمتلك إجابات، حتى القرار الرئاسي لم يصدر بعد؛ لا أحد يعلم كيف يتعامل مع الوضع فيما عدا (كوناللي) تصدى لأسئلة الصحفيين في مبنى وزارة الخزنة وأخذ يشرح ماذا يعنيه تجميد الأجور والأسعار وقال: "القرار كما سمعتم لا أسعار ولا أجور يمكن أن تزيد لمدة تسعين يوم باستثناء المنتجات الزراعية"، بعد ذلك أخذ يشرح لِـ (فرجينيا ناير) Virginia Knauer مستشارة الرئيس بقوله: "تذكري فرجينيا إذا كان خيار _منتج زراعي_ يمكنك رفع الأسعار لكن عندما يصبح مخلل يجمد" _يقصد بذلك أن الخيار بعد التصنيع يخضع لنظام تجميد الأسعار.

حادثة أخرى حدثت بعد ثلاثة أيام من صدور القرار الرئاسي حيث أعلن مصدر رسمي من وزارة الدفاع الأمريكية بأن التجميد لن يشمل زيادة رواتب العسكريين والتي كان من المقرر أن تبدأ بنهاية شهر أغسطس لكن (كوناللي) اتصل بوزارة الدفاع قائلاً: "يبدو أن وزراة الدفاع لديها سوء فهم لقرار الرئيس" وأضاف أن التجميد يشمل العسكرين أيضًا و طلب من وزارة الدفاع إصدار بيان تذكر فيه بأن زيادة الرواتب متوقفة طبقًا لقرار الرئيس، وبعد ساعة من طلبه تم إصدار البيان.

الكل من داخل وخارج الإدارة كان ينفذ ما يطلبه (كوناللي) حتى الرئيس (نيكسون) كان يخاف  ويصاب بالرعب من (كوناللي)، هذا ما ذكره المؤرخ (بروس شولمان) وأضاف: أن وزير الخارجية (هنري كيسنجر) أيضًا ذكر بأن (كوناللي) هو الشخص أو الطرف الوحيد في إدارة الرئيس (نيكسون) الذي لم يتحدث أو يذمة الرئيس خلف ظهره.

بناءً على ما سبق أقول بأن (جون كوناللي) كان هو القيادي الذي أقنع الرئيس (نيكسون) أو بمعنى أصح أقنع الإدارة الأمريكية بإغلاق نافذة الذهب على الرغم من معارضة كثيرين في إدارة الرئيس (نيسكون) لهذا القرار، ومنهم (آرثر بارنز) رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي السابق في عهد الرئيس نيكسون، فقد ذكر بيرنز في مذكراته والتي صدرت في كتاب عام 2010م بعنوان (يوميات آرثر بيرنز السرية 1969م-1974م) بأنه كان يعارض و بشدة خطة الرئيس (نيكسون) في (إغلاق نافذة الذهب) والتي أُقِرّت في (كامب ديفيد) خلال الفترة من 13-15 أغسطس 1971م، بل كان يعتبر (بيرنز) الإغلاق هو اعتراف بالهزيمة ضد التضخم، وأضاف بأن ذلك سيسعد السوفييت و صحيفتهم الرسمية (برافدا) التي ستعتبر الإغلاق انهيارًا للرأسمالية، لكن (نيكسون) رفض حجة (بيرنز) و ذهب مع رأي وزير الخزنة (كوناللي) الذي وصفه (بيرنز) في مذكراته بأنه لا يعرف عن الاقتصاد أي شيء و غير مهتم بأن يعرف أو يتعلم، حيث كان (كوناللي) يؤيد وبشدة إغلاق نافذة الذهب.

لم يكن رئيس الفيدرالي السابق (آرثر بيرنز) هو الوحيد في إدارة الرئيس (نيكسون) الذي كان يعارض إغلاق نافذة الذهب، (هنري كيسنجر) الذي كان يشغل منصب مساعد الرئيس لشؤون الأمن أيضًا من جهته استغرب اتخاذ مثل هذا القرار المهم أو التاريخي بدون استشارة أو دعوة وزير الخارجية (ويليام روجرز) أو مستشار الأمن القومي (كيسنجر) إلى الاجتماع في (كامب ديفيد) حيث كان وزير الخزنة (كوناللي) هو الميسطر على الاجتماع وما دار وما اتخذ من قرارت خلال الاجتماع؛ لذا تجد اسمه متواجدًا في كل خطوة اتُخِذَت قبل و أثناء و بعد القرار، كان وجود (كوناللي) في الإدارة الأمريكية ضروري لاتخاذ القرار ودعم الرئيس (نيكسون) في إغلاق نافذة الذهب على عكس الكثيرين من أعضاء الإدارة  الأمريكية الذين كانو يعارضون وبشدة مبدأ التخلي عن معاهدة (بريتون وودز).

إذن السؤال هو: هل كان تعيين (جون كوناللي) _الذي تربطه علاقة قوية مع شركات النفط في (تكساس) والتي كانت تعاني من خسائر جسيمة جراء انخفاض الأسعار و التأميم الذي بدأ ياخذ طريقه إلى صناعة النفط_ كوزير للخزنة في مرحلة حرجة للإدارة الأمريكية في علاقتها بأوروبا والعالم؟ وهو ديمقراطي داخل إدارة رئيس جمهوري غالبية إدارته تعارض التخلي عن معاهدة (بريتون وودز) بهدف: إقناع و دعم وتأييد أو الضغط على الرئيس (نيكسون) للتخلي عن اتفاقية (بريتون وودز)! وهل كان البديل جاهزًا و الذي عُرِف فيما بعد بـِ (البترودولار)؟ و الأهم من ذلك هو: هل الرئيس الأمريكي (ريتشارد نيكسون) كان على علم مسبق بقدوم (البترودولار) قبل إغلاق نافذة الذهب 15 أغسطس 1971م؟