آلية عمل الضريبة على الأراضي وآثارها

19/06/2014 5
محمد الحربي

ذكرت في المقال السابق الأسباب الداعية لفرض الضريبة على الأراضي وكيف أنها تعتبر بديل أكثر كفاءة من الضريبة على القيمة المضافة. واليوم نشرح آلية عمل هذه الضريبة وآثارها. 

فعند فرض نسبة 10% كضريبة سنوية على الأرض البيضاء فإن تكلفة الاحتفاظ بها بالنسبة لمالكها سترتفع، لذا سيحاول التخلص منها بأسرع وقت ممكن، حتى وإن كان يتوقع أن يرتفع سعرها إلى أكثر من 10% نتيجة تطوير البنية التحتية أوقيام مشاريع تنموية قريبة منها، فإن مدة احتفاظه بالأرض لن تمتد لسنوات كما في السابق، إذ سيرتفع مبلغ الضريبة تبعاً لإرتفاع قيمة الأرض، وستصل إلى مرحلة تكون فيها تكلفة الضريبة (الاحتفاظ بالأرض) أعلى من الإرتفاع المتوقع في قيمة الأرض. 

بالإضافة إلى ذلك فإن تزايد المعروض من الأراضي نتيجة لهذه الضريبة سيقلل من الطلب على هذه الأرض المحتكرة وهو ما سيدفع صاحبها لبيعها بأقرب وقت ممكن أو استثمارها بمشروع أكثر جدوى.

اما المشتري الجديد للأرض فإنه يصعب أن يكون مضارباً، لأنه يعلم أن القيمة التي إشترى بها هي القيمة الحقيقة للسوق، وأي محاولة لإحتكار الأرض أو المضاربة عليها سيرفع من تكلفة الأرض عليه بالتالي قدرته على التربح من هذه الممارسه.

لذا فإنه سيقوم بالبناء عليها إما للإستثمار أو السكن، والذي سيضمن له انخفاض الضريبة على الأرض من 10% إلى 3% أو 1% بحسب نوع البناء. 

المثال التالي يوضح الفكرة: لنفترض أن أرضاً سكنية مساحتها 400 متر مربع أشتراها أحد مضاربي الأراضي بمبلغ 400 ألف ريال، وأن التقييم السنوي الذي قدرت به قيمتها من قبل الدوله لفرض الضريبة هو 1000 ريال للمتر أي أن إجمالي قيمة الأرض السوقية هي 400 ألف ريال. 

وعليه فإن مبلغ الضريبة المفروضة والتي ستحسب في تاريخ محدد من كل سنة ـ بفرض ثبات سعر الأرض ـ هو 40 ألف ريال، لذا فإن تكلفة الأرض الإجمالية على مالكها سترتفع إلى 440 ألف ريال في نهاية السنة الأولى، وإذا ما أنتظر سنة أخرى فإن إجمالي تكلفتها ستصبح 480 ألف ريال، وفي السنة الثالثة ستكون 520 ألف وهكذا. 

أما إذا ما أرتفع سعر الأرض ولنفرض إلى 1200 ريال للمتر فإن قيمة الأرض سترتفع إلى 480 الف بالتالي سيرتفع مبلغ الضريبة إلى 48 ألف لتصبح تكلفة الأرض 528 ألف، وهكذا نرى بأن عبء الضريبة يرتفع مع طول مدة الاحتفاظ بالأرض ومع إرتفاع سعرها.

أمر آخر ومهم لزيادة فاعلية هذه الضريبة وهو نشر مؤشر التقييم السنوي لأسعار الأراضي من قبل الدولة حيث سيكون هذا التقييم بمثابة معيار حقيقي لأسعار الأراضي في كل حي حسب نوع الاستخدام، لأن هذا التقييم هو الذي ستحسب عليه الضريبه، وبذلك يتم تقليص فرص المغالاة في أسعار الأراضي من قبل الملاك. 

ومع وجود هذا المؤشر وتزايد تكلفة الأرض وبيع العديد من أصحاب الأراضي لأراضيهم لتجنب الضريبة فإن عامل المخاطرة للاحتفاظ بالأرض سيرتفع بشكل أكبر، لذا سينتهز صاحب الأرض أقرب فرصة لبيعها أو لإستثمارها في مشروع أكثر جدوى.

مؤشر التقييم السنوي لأسعار الأراضي هو عامل أساسي في نجاح هذه الضريبه. وحتى يكون هذا التقييم عادلاً يجب أن يراعي أساسيات السوق.

وأقترح هنا إسناد عملية التقييم في كل مدينة إلى ثلاثة مكاتب استشارية خاصة على الأقل، بحيث يقدم كل منها تقديره للقيمة السوقية للأراضي حسب موقع الأرض وإستخدامها، من ثم تقوم الدولة بأخذ متوسط لهذه التقديرات لتحديد متوسط سعر متر الأرض ونشرها لكل حي ومدينة.

الآثار الاقتصادية المتنوعة لضريبة الأراضي 

1.زيادة أعداد القادرين على بناء أو تملك المنازل

يتوقع أن يؤدي فرض الضريبة على الأراضي البيضاء إلى ضخ قدر كبير من الأراضي السكنية إلى السوق باسعار قريبه من أسعارها الحقيقة. وهذا سيقلل من التكلفة الإجمالية لإنشاء المنازل، وهو بدوره ما سيؤدي إلى زيادة عدد القادرين على بناء المساكن، وعلى عدد المؤهلين للحصول على القروض السكنية من البنوك التجارية. 

المثال التالي يشرح الفكرة: لنفرض أن شخص مرتبه الشهري 10 الآف ريال ولديه مدخرات (أو قرض من صندوق التنمية العقارية) بقيمة 500 ألف ريال. ويرغب بشراء أرض مساحتها 400 متر مربع.

تكلفة الأرض قبل فرض الضريبة قد تصل إلى أرقام فلكية، لكننا سنفترض وبتحفظ شديد أن قيمتها بلغت 800 ألف ريال بينما قيمتها الحقيقة لا تتجاوز 400 ألف ريال. ولنفرض وبتحفظ أيضاً بأن متوسط تكلفة البناء هي 1000 ريال للمتر.

قبل الضريبة : ستكون تكلفة المنزل 1.200.000 ريال ( 800 ألف قيمة الأرض + 400 قيمة البناء). وبما أن لديه مدخرات بقيمة 500 ألف ريال فإنه سيكون بحاجة إلى قرض سكني بمبلغ 700 ألف ريال من البنوك التجارية. 

ولنفترض أن مقدار الفائدة السنوية التي سيفرضها عليه البنك هي 2.5%، لذا فإن إجمالي المبلغ المتوجب عليه سداده للبنك (القرض + الفائدة) يبلغ 1.050.000 ريال، وعليه سداده على مدى عشرين سنه بقسط شهري قدره 4375 ريال. 

وحسب أنظمة مؤسسة النقد فإن إجمالي القروض يجب أن لا تتجاوز 33% من دخل المقترض، وبما أن القسط الشهري المطلوب يعادل 44% من الدخل الشهري لهذا المتقدم فإنه ليس مؤهل للحصول على قرض سكني من قبل البنوك. 

بعد فرض الضريبة : ستكون تكلفة المنزل 800.000 ريال ( 400 ألف قيمة الأرض + 400 قيمة البناء). وبما أن لديه مدخرات بقيمة 500 ألف ريال فإنه سيكون بحاجة إلى قرض سكني بمبلغ 300 ألف من البنوك التجارية. 

لذا فإن إجمالي المبلغ المتوجب عليه سداده للبنك (القرض + الفائدة) يبلغ 450.000 ريال، وعليه سداده على مدى عشرين سنه بقسط شهري قدره 1875 ريال.

وبما أن القسط الشهري المطلوب يعادل 19% من دخل هذا الشخص فإنه مؤهل للحصول على قرض سكني من قبل البنوك.

وهكذا نرى أن الضريبة على الأراضي البيضاء لم تسهم فقط في تخفيض قيمة المساكن بل وفي زيادة عدد القادرين على بنائها وعلى عدد المؤهلين للحصول على قروض سكنية من قبل البنوك.

أما من ناحية جودة المباني السكنية فإنها سترتفع بعد الضريبة نتيجة توفر المزيد من الدخل المتاح لصاحب المنزل والذي يمكنه من زيادة الإنفاق على البناء لتحسين جودته.

ومن فوائد هذه الضريبة أيضاً تقليص الطلب على المساحات الواسعة للمنازل، وتحسين التخطيط الهندسي للمباني للاستفادة من المساحات بشكل أفضل.

2.الأثر على الحركة الاقتصادية والانتاج

سيؤدي فرض الضريبة على الأراضي إلى ضخ قدر كبير من السيولة المجمدة في الأراضي البيضاء إلى السوق للبحث عن استثمارات أكثر جدوى، كما سيؤدي إنخفاض أسعار الأراضي إلى زيادة الجدوى الاستثمارية لمختلف المشاريع، وسينتج عن ذلك قيام العديد من الاستثمارات في المشاريع التجارية والصناعية والسكنية، وسيرتفع بذلك حجم الإنتاج المحلي ومعدل خلق فرص العمل. 

ويتوقع أن تؤدي زيادة الاستثمارات والحركة العمرانية بعد فرض الضريبة إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات، لترتفع بذلك مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات غير مسبوقة.

3.الأثر على ميزانية الدولة

علاوة على كونها ستشكل دخلاً مضموناً للدولة، يتزايد مع تزايد قيمة الأراضي. فلعل أهم أثر على ميزانية الدولة من هذه الضريبة هو مستوى الوفر الذي ستحققه الدولة نتيجة تخفيف أعباء تكلفة مشاريع البنى التحتية والخدمات، وتقليصها من النفقات التي كانت ستصرف لملاحقة التوسع الأفقي للمدن بالبنى التحتية والخدمات. 

كما ستساهم هذه الضريبة في تخفيف أعباء كبيرة عن كاهل الدولة، كتكاليف تنمية المناطق الأقل نموا وإعانات الاستثمار والتوظيف ومكافحة البطالة وغيرها من المصروفات التي ستقل الحاجة لها نتيجة للآثار الاقتصادية التنموية التي نتجت عن تطبيق هذه الضريبة. 

يضاف إلى ذلك أن تكلفة تحصيلها منخفضة جداً مقارنة بأنواع الضرائب الأخرى.

أما التهرب من دفع هذه الضريبة فهو صعب مقارنة بغيرها من الضرائب، حيث أن مساحات الأراضي ثابته وتقدير أسعارها منشور، وهذا يقلص من محاولات التهرب الضريبي من قبل دافعي الضرائب.

4.الأثر على التنمية المتوازنة

سيكون العائد الذي ستجنيه الدوله من الضرائب على الأراضي محفزاً قوياً للدولة لتطوير مستوى الخدمات والبنية التحتية في المناطق والمدن الأقل نمواً، وهذا التطور بدوره سيكون عامل جذب قوي للإستثمارات في تلك المناطق، بالإضافة إلى إنخفاض العبء الضريبي للأراضي في تلك المناطق مقارنة بالمدن الرئيسية. 

5.الأثر على البيئة 

سيؤدي فرض الضريبة على الأراضي إلى تقليص التوسع الأفقي للمدن بشكل كبير، وهذا بدوره سيؤدي الى تخفيف مستويات التلوث الناتجة عن التوسع العمراني وعن استهلاك الوقود في التنقل بين اطراف المدن وفي انتاج الطاقة لخدمة هذه الأطراف المتباعدة. 

وسيؤدي تحسن مستوى كفاءة وجودة المباني والبنية التحتية والخدمات إلى تقليل الآثار السلبية على البيئة. كما سيساعد فرض الضريبة على إعادة تهيئة العديد من المباني المهجورة والمتهالكة في بعض المدن والتي تتدنى فيها وحولها مستويات السلامه والنظافة العامة.

6.الأثر الأمني

يؤدي التوسع الأفقي للمدن إلى فرض عبء كبير على الجهات الأمنية في المدن المترامية الأطراف، وإلى تشتت الكثير من الجهد في محاولة تغطية هذه المساحات الشاسعة. الأمر الذي يحتاج إلى توسع كبير في اعداد المراكز الأمنية ومنسوبيها وهو ما يشكل عبئاً إضافيا على ميزانية الدولة. 

وبتقليص التوسع الأفقي للمدن يمكن تخفيض جزء كبير من العبء الذي تحتاجه الجهات الأمنية لضبط الأمن والسلامة. 

كما أن إعادة تأهيل المناطق التي تكثر بها المباني المهجورة والمتهالكة والتي عادة ماتشكل ملاذات آمنة للمخالفين، يصب أيضاً في تحسين مستوى السلامة الأمنية بشكل عام وفي تسهيل مهمة الجهات الأمنية في مراقبتها وفي حماية المجتمع.

وختاماً فإن التنمية الصحيحة ليست بالضرورة نتيجة زيادة الدعم أو الانفاق الحكومي بل قد تقوم الدولة باتخاذ قرار تنظيمي يفوق في فائدته الاقتصادية إنفاق بلايين الريالات، وضريبة الأراضي كما بينا يمكن أن تكون أحد هذه الوسائل.

فهي توفر مصدر دخل جيد للدولة منخفض التكلفة مقارنة بالضرائب الأخرى، وليس محصوراً بالأراضي البيضاء، وتسهم بشكل فعال زيادة الاستثمار والانتاج وفرص العمل وفي عملية التنمية ككل.

إلا أنه يجب التأكيد على ضرورة التخطيط السليم والمتوازن للمدن ولمستوى الضرائب فيها بما يتلائم مع احتياجات كل منها.