التحكم بأسعار الذهب و الفضة أمرًا ليس بجديد إلى جانب أنه ليس مجهولاً تماماً، لكن الجديد في الأمر أن الإعلام الذي يُعرَف عنه عدم التطرق إلى مسألة المؤامرات _كما أُطلِقَ على مؤشر تحديد الأسعار بلندن من قبل البنوك الخمسة في السابق_ أصبح الآن يتحدث و بشكل يومي تقريبًا عن مؤشر تحديد الأسعار والتحكم في المؤشر مثل (نيويورك تايمز، وول ستريت، بلومبيرغ، سي إن إن وغيرهم)؛ السؤال الآن هل هناك توجه لإعادة سيناريو 1933م بإعادة تسعير الذهب وهل ما يحدث الآن ما هو إلا تمهيدًا لذلك؟
فيما يلي بعض التطورات التي تشير إلى أن الذهب سيعود بطريقة أو أخرى ليلعب دورًا هامًا في السياسات النقدية القادمة، من أهم تلك التطورات: تخلي (دويتشه بنك) عن مقعده كأحد أعضاء مجموعة تحديد مؤشر أسعار الذهب ومؤشر أسعار الفضة في لندن بعد أن فشل في العثور على مشترين تحت ضغط شعبي في ألمانيا مما أجبره على الانسحاب من المؤشرين (الذهب والفضة)، وهي دلالة على وجود انهيار داخلي بقصد أو غيره داخل منظومة مؤشر أسعار الذهب؛ فبعد أن كان الجميع يطمح بالوصول إلى تلك المكانة أصبح الجميع يتهرب منها, أضف لذلك إعلان مؤشر سوق الفضة بلندن مؤخرًا عن عزمه إيقاف تعاملاته نهائياً اعتبارًا من 14 أغسطس 2014م.
(باركليز) وهو أحد البنوك الخمسة في منظومة تحديد أسعار الذهب يخطط للخروج من تعاملات السلع التي تشمل الذهب بعد تغريمه في 23 مايو، حوالي 44 مليون دولار بسبب عدم ذكر البنك بصورة كافية لعملائه أن هناك تضارب مصالح، الجدير بالذكر أن بنك (باركليز) هو أول بنك يتم تغريمه على مدى 95 سنة من عمر مؤشر أسعار الذهب بلندن، ففرض غرامة مالية على باركليز _على الرغم من ضآلتها_ إلا أنها خطوة غير مسبوقة ومؤشر على بداية تعامل مختلف من قبل المنظمين مع البنوك الخمسة التي تدير مؤشر أسعار الذهب.
إضافة لذلك الدعاوي القانونية التي رفعتها صناديق تحوط و مواطنين عاديين ومستثمرين مثل (صندوق معاشات التقاعد) وصلت حتى الآن إلى عشرين قضية، ومن المرجح أن تزيد عن ذلك في محكمة منهاتن على البنوك الخمسة التي تدير مؤشر الذهب بلندن، وهم (سكوتيا، باركليز، دويتشه بنك، اتش اس بي سي وسوسيتيه جنرال) يتهمون فيها البنوك الخمسة باستخدام موقعهم كصناع للقرار للتلاعب بأسعار الذهب بما يخدم مصالحهم.
هناك أمرٌ آخر يتعلق بطلب العديد من البنوك المركزية حول العالم بالتدقيق ومعاينة أو استعادة احتياطاتها من الذهب المخزن بدول أخرى خاصة بالولايات المتحدة وبريطانيا منذ عقود طويلة، من أهم تلك الدول ألمانيا؛ بعد أن طلب البنك المركزي الألماني في شهر أكتوبر من عام 2012م معاينة احتياطاته المخزنة لدى البنك الفيدرالي بنيويورك منذ الحرب العالمية الثانية والتي تصل إلى 1500 طن رُفض طلب ألمانيا بمعاينة ذهبها.
ردًا على رفض طلب ألمانيا من (بنك الاحتياط الفيدرالي بنيويورك) بمعاينة ذهبها تقدمت ألمانيا بطلب استعادة 300 طن، لكن الفيدرالي بنيويورك أعطى فترة طويلة لتسليم ال 300 طن وهي ثمان سنوات أي بنهاية عام 2020م، هذا الرد من فيدرالي نيويورك بطول فترة التسليم التي من المفترض أن تتم خلال أيام قليلة بدل ثمان سنوات جعلت الكثير من البنوك المركزية تشكك في وجود ذهبها لدى الولايات المتحدة وبريطانيا, وهو ما حدث تمامًا بعد أن طلبت النمسا مؤخرًا _وهي تصنف(AAA)_ من بريطانيا معاينة و تدقيق الذهب الموجود لدى البنك البريطاني للتحقق من وجوده، و يقدّر بحوالي 150 طن.
هذا يعني أن طلب استعادة أو معاينة الذهب المخزن لدى الولايات المتحدة وبريطانيا من ألمانيا و النمسا قد يتبعه بنوك مركزية أخرى مثل سويسرا، إيطاليا، أستراليا ونيوزيلندا و عدد لا يحصى من الدول الغربية الأخرى، كلها مؤشرات تشير إلى عدم وجود الذهب في مخازنه، مما يجعل الكثير من الدول تحاول الآن استعادة الذهب و تخزينه لديها كإجراء احترازي و استباقي لما قد يحدث مستقبلاً.
بالعودة مرة أخرى لموضوع إعادة تسعير أوقية الذهب، حيث كان يتم في السابق بإعلان من الحكومة أن قيمة الأوقية زادت بنسبة معينة، لكن بعد التخلي عن الذهب كمعيار للإصدار النقدي من قبل الرئيس نيكسون في 15 اغسطس من عام 1971م؛ أصبح الأمر لا يتطلب إعلانًا من الحكومة، كل ما عليها فعله هو طباعة و ضخ المزيد من العملة داخل الاقتصاد و التي تؤدي بنهاية المطاف إلى تضخم أسعار الذهب، وبالتالي السلع الأخرى و هو ما يعيشه العالم اليوم أو ما يعرف بحرب العملات بين (الولايات المتحدة، اليابان، الصين، _والقادم الجديد لحرب العملات_ أوروبا) بعد أن بدأت فرنسا و ألمانيا تُصَعِّدان حملة لإضعاف اليورو لمستويات غير مسبوقة بدعم سياسة سعر الفائدة السلبي على الودائع البنكية، مما يشكل إعلانًا رسميًا لدخول أوروبا صراع حرب العملات.
لكن منذ بداية الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد العالمي عام 2008م وحتى الآن ثبَتَ أن خفض قيمة العملة بطبع المزيد من النقود لم يعد كافيا للمرحلة القادمة في ظل الإفراط في الإصدارات النقدية من قبل معظم البنوك المركزية حول العالم، وإنما أصبح الأمر يتطلب تضخمًا لأسعار الذهب لمستويات أعلى عما هي عليه أضعافًا مضاعفة.
وهو ما تطرق إليه (جيمس ريكاردز) في كتابه "نهاية أو وفاة المال The Death of Money" و فرضية تكرار سيناريو بداية الثلاثينيات بإعادة تسعير الذهب بقرار رئاسي _وهو أمرٌ وارد_ إلى 7000 آلاف دولار للأوقية في حال استمرار عدم تحقيق نتائج إيجابية من السياسة النقدية للفيدرالي الأمريكي، حيث يرى ريكاردز أن إعادة تسعير أوقية الذهب إلى 7000 دولار هي السبيل الوحيد للخروج من دوامة الانكماش.
الغرض من إعادة تسعير الأوقية ليس لإثراء أصحاب الذهب ولكن لإعادة مستويات الأسعار؛ حيث أن انخفاض قيمة الدولار مقابل الذهب سيكون سريعاً؛ بالتالي تنعكس على ارتفاع الأسعار للسلع الأخرى كما ذكر بعض المحللين الاقتصادين مثلا سعر برميل النفط قد يصل إلى 400 دولار، أوقية الفضة إلى 100 دولار، وهكذا دواليك.
باختصار أقول إن إعادة تسعير الذهب أمرٌ وارد لكن احتمالات حدوثه ضئيلة، إنما الأمر المؤكد هو تسابق البنوك المركزية حول العالم باستعادة ذهبها و تخزينه لديها، الغريب في الأمر أن الدول التي تحاول استعادة وتخزين الذهب لديها هي دول متقدمة واقتصاديات منتجة وحاصلة على تصنيفات كاملة AAA)) كألمانيا والنمسا، أيضًا يجب أن لا ننسى أن الولايات المتحدة التي تعد أكبر اقتصاد في العالم نسبة الذهب إلى احتياطاتها تصل إلى 75% أضف إلى ذلك أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم _وهو اقتصاد منطقة اليورو_ معدل احتياطات الدول الأوروبية إلى جانب البنك المركزي الأوروبي من الذهب تصل إلى أكثر من 60% من إجمالي الاحتياطات، في حين أن احتياطات المملكة من الذهب لا تتجاوز 2% من إجمالي الاحتياطات الأجنبية.
وهذا يقودنا إلى تساؤل يحتاج إلى إجابة من مؤسسة النقد السعودي بشأن حقيقة وحجم احتياطات المملكة من الذهب؛ هل هي 139 طن؟ أم 323 طن؟ هل الاحتياطات موجودة داخل أم خارج المملكة؟ ولماذا لا تتم زيادة احتياطات المملكة من الذهب؟ خاصة أن احتياطات المملكة النقدية التي تصنف في المركز الثالث بعد الصين واليابان وصلت إلى مستويات تاريخية عند 726 مليار دولار.
خلاصة القول هي إن عدم زيادة احتياطات المملكة من الذهب في الوقت الذي تسعى دول متقدمة واقتصاديات منتجة و بكل الطرق على زيادة احتياطاتها من الذهب وتخزينة لديها ناهيك عن ضخامة فائض الاحتياطات المالية المقيّمة بالدولار بنسبة كبيرة يتعارض مع الأمن القومي للمملكة و يضعنا أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما نحن كدولة لا نملك هذا القرار السيادي وهو قرار التوسع في زيادة احتياطاتنا من الذهب لأي سبب كان! أو نحن كدولة ومسؤولين نجهل ما يحدث حولنا من متغيرات!
نحتاج لتعليق من أظن انه افضل شخص للتعليق على الموضوع وهو الدكتور حمزة السالم فلديه نظرة شاملة عن هذا الموضوع.
مقال مميز، مشكور الأخ الكاتب.
لدينا نظره لكن لاعتقد اننا نتابع مؤمرات الغرب لنهب مواردنا وافقارنا فهمنا الوحيد الاستهلاك لاغيرررررررررر
لست بالاقتصادي ولكن اتوقع ان النفط يقوم مقامه
بل الاحتمال الأول هو السبب