مواردنا.. بين تحسين الكفاءة وترشيد الاستهلاك

02/06/2014 0
د. سليمان عبدالله الرويشد

تحديات كبيرة يواجهها قطاع الطاقة في المملكة، شأنه شأن مواردنا الطبيعية الأخرى، نتيجة الاستهلاك المحلي المفرط والمتنامي، حيث يشير سمو مساعد وزير البترول والثروة المعدنية إلى ارتفاع معدله بالنسبة لمصادر الطاقة إلى مستويات تفوق المعدلات العالمية، وبتسارع لذلك النمو يبلغ متوسطه 5 %، الأمر الذي يقود وفقاً لهذا النمط الاستهلاكي المتصاعد إلى أن يزيد الطلب المحلي على الطاقة خلال الخمسة عشر عاماً القادمة إلى ضعف الاستهلاك الحالي، من ذلك تأتي أهمية قرار مجلس الوزراء في عام 1431ه بإنشاء المركز السعودي لكفاءة الطاقة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، للمحافظة على مصادر الطاقة، وتحقيق أدنى مستويات الاستهلاك الممكنة لهذه المصادر، دون التأثير على التنمية وأداء الاقتصاد الوطني، حيث يتمحور هدف المركز في تحسين كفاءة الطاقة وترشيد استهلاكها، وتوحيد الجهود بين الجهات الحكومية وغير الحكومية في هذا المجال.

لقد حدد من بين مهام هذا المركز أن يضع برنامجاً وطنياً لترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة والخطط اللازمة لتحقيق ذلك، بحيث ينتهي هذا البرنامج في آخر مراحله إلى نظام لترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة في المملكة، يضمن التنفيذ والتطبيق لما يتضمنه هذا البرنامج من مشروعات في هذا الصدد، مشتملاً هذا البرنامج الوطني الذي من شواهد أنشطته عقد المنتدى والمعرض السعودي لكفاءة الطاقة في مدينة الرياض خلال الأسبوع الماضي، على العديد من المبادرات في أهم ثلاثة قطاعات يمثل استهلاكها ما يزيد على 90 % من إجمالي استهلاك الطاقة المحلي، وهي قطاع المباني، والنقل البري، والصناعة، والقطاع الأول بالذات هو الأكثر من بين الثلاثة قطاعات الأخرى استنزافاً لمصادر الطاقة، حيث يستهلك أكثر من 80 % من إجمالي الطاقة الكهربائية، ويشكل استهلاك أجهزة التكييف فقط منها 70 % مما يتاح من طاقة كهربائية للمباني بوجه عام.

ما يتميز به برنامج المركز في المحافظة على مصادر الطاقة هو الجمع بين منهجين في مواجهة تحديات هذه القضية، يختلف كل واحد منهما عن الآخر في إجراءاته، إلا أنهما مكملان لبعضهما في الوصول للغايات والأهداف، الأول والأكثر فعالية هو تحسين الكفاءة، حيث يتم تبني هذا المنهج لتحقيق الاستخدام الأمثل للطاقة بأقل قدر من الفاقد، وذلك عبر مجموعة من الإجراءات العلمية الهندسية منها والفنية التي تؤدي إلى خفض الاستهلاك للعناصر والأجهزة المنتجة والمستهلكة للطاقة ومن أبرز نماذج ذلك في قطاع المباني على سبيل المثال هو تطبيق العزل الحراري في الأبنية، واستخدام الأجهزة ذات التوفير للطاقة، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة كأسطح الخلايا الشمسية لتسخين المياه ونحوها، أما المنهج الثاني فهو التقليدي والأقل ربما في الفعالية رغم أهميته، ويتمثل في ترشيد الاستهلاك من خلال مجموعة من الإجراءات التي يتم اتخاذها بهدف الحد من الهدر في الطاقة، ويقوم هذا المنهج في الأساس على توظيف الجانب السلوكي للشخص المستخدم للأجهزة المستهلكة للطاقة، عبر توعيتة وإرشاده على سبيل المثال إلى أهمية صيانة المكيف دورياً، وضبط درجة حرارته على الدرجة المتوسطة، وعدم هدر الطاقة بتشغيل وحدات الإضاءة أثناء النهار والاستفادة من الإضاءة الطبيعية، وإزاحة بعض الأحمال إلى خارج وقت الذروة، ونحوها من السلوكيات المرشدة للطاقة.

لعل ما يعطي مؤشرات النجاح لبرنامج مركز كفاءة الطاقة هو تكثيف مبادراته في إطار المنهج الأول، وهو تحسين الكفاءة للعناصر والأجهزة المستهلكة للطاقة، وعدم الاكتفاء فقط بحملات الترشيد والتوعية وتعزيز الجانب السلوكي لدى الأفراد، على النحو الذي نراه متبعاً في الغالب لمواجهة قضايا الهدر والاستنزاف لمواردنا الطبيعية النادرة الأخرى التي من أبرزها مصادر المياه، حيث لم يحقق اتباع منهج الترشيد بمفرده الأهداف المتوخاة منه.

لذا قد يكون من باب تعزيز الكفاءة لهذا المركز - إن جاز التعبير - هو القيام بتوسيع دائرة مهامة ليعنى بكفاءة الاستهلاك لمواردنا الطبيعية الشحيحة الأخرى ومنها المياه وما نملكه من ثروات نباتية وحيوانية وبحرية محدودة، وألا يقتصر دوره على مورد الطاقة فقط رغم أهميته، بحيث يوظف منهجه في تحسين الكفاءة الذي يستمده في الأساس من وجوده بمؤسسة علمية تعنى بالدراسات والبحوث التطبيقية، للعمل على استدامة ما نمتلكه من موارد قبل أن يستنزفها سلوك الهدر الذي طبع عليها للأسف مجتمعنا.

نقلا عن الرياض