لنتعلم من «ولمارت»

01/06/2014 0
د. إحسان بوحليقة

"ولمارت" هي بلا منازع أكبر شركة بيع تجزئة في العالم؛ إذ تجاوزت مبيعاتها 466 مليار دولار (1.748 ترليون ريال) العام الماضي (2013)، وعدد فروعها 11 ألف فرع في أنحاء العام. 

انطلقت شركة مخازن التجزئة قبل نحو نصف قرن من أركنسا في الولايات المتحدة الأمريكية. وستعقد الشركة جمعيتها العمومية لهذا العام بعد أيام في أستاد رياضي، حيث ولدت في أركنسا. لكن ما علاقتنا بولمارت، ونحن "نستمتع" بمخازن التجزئة المجهرية والصغيرة والكبيرة والعملاقة في كل زاوية؟

الموضوع ليس عن مخازن التجزئة، وبالتأكيد ليس عن ولمارت بحد ذاته، لكنه للمساعدة في الإجابة على سؤال: كيف يستطيع القطاع الخاص أن يبين انحيازه لمدخلات الإنتاج الوطنية؟ بل ما هو الفارق بين القطاع الخاص المحلي وبين القطاع العالمي أو حتى القطاع الخاص في الدول المجاورة؟ هل مجرد امتلاك سجل تجاري سعودي يجعل قطاعنا الخاص وطنياً؟ أم بقدر حرصه على توظيف السعوديين وتطويرهم وترقيتهم ليكون لهم التأثير الأكبر في الشركة، عبر شغل الوظائف الأهم كماً ونوعاً، بما في ذلك الوظائف القيمة التي تدر دخلاً عالياً.

ولا أحد يقول أن تأخذ مواطناً مبتدئا وتضعه في وظيفة خطيرة دون أن يمتلك التعليم والتأهيل والخبرة، بل أن تهتم به ليتطور ويمتلك الخبرة المتراكمة. 

والنقطة هنا، أنه لا بد على مؤسسات القطاع الخاص، الحرص على توظيف سعوديين بدوافع ذاتية، إذ ما نلاحظه الآن أنه توظيف قائم على الترغيب والترهيب إجمالاً. وكذلك بالحرص على شراء السلع والخدمات المنتجة محلياً باعتبار أنها تحوي قيمة مضافة من عمالة ومواد خام ونصف - مصنعة ومنصعة وطاقة، وبذلك فإن شراءها يعني زيادة الطلب ليس على المنتجات النهائية فحسب، بل كذلك على مستلزماتها التي دخلت في تكوينها، وهنا فلا بد من احتساب القيمة المضافة المحلية، والتفريق بين ما ينتج هنا بناء على المحتوى المحلي، فكلما كبُر هذا المحتوى أدركنا أن المنتج صُنع هنا، فمثلاً، تخيل مصنع جلبت مكائنه من الخارج وتجلب مواده الخام من الخارج، وبه عمال وافدون من الخارج، وحتى رأس ماله بمشاركة من الخارج، فأين المحتوى المحلي؟ وما القيمة المضافة المحلية؟ هو هنا ليحسن وضعه التنافسي، فيتجنب الرسوم الجمركية، ويستفيد من الإعفاءات على مدخلات الإنتاج، ومن الطاقة الرخيصة، ومن القرض الصناعي، ومن السوق الكبيرة.

لا بأس ان يستفيد، ولكن بالمقابل ما الذي حصل عليه المجتمع مقابل ذلك؟ ثمة منتجات من الأفضل أن نستوردها لا أن "نصنعها" محلياً، إذا كان المحتوى المحلي هامشيا أو شبه هامشي.

لعلنا بحاجة إلى "ولمارت"سعودي. حيث أطلقت الشركة الأمريكية العملاقة حملة "الاستثمار في الوظائف الأمريكية"، حيث تقول إنها ستستثمر 250 مليار دولار على مدى السنوات العشر القادمة في منتجات تدعم توظيف الأمريكيين، بل إن "ولمات" تدعي أن القيمة المضافة المحلية تبلغ الثلثين لما تبيعه محلياً! قطاعنا الخاص ينمو، هذا ما نقوله ليل نهار، السؤال: ما مردود هذا النمو على المجتمع وعلى الاقتصاد؟

 للإجابة على السؤال؛ لا بد من قياس القيمة المضافة لكل سلعة تنتج محلياً، وبناء على ذلك نميز بين المنشآت الوطنية. وهذا لا ينطبق فقط على الصناعة التحويلية بل على كل منشأة تعمل في المملكة وفي أي قطاع لا فرق.

وريثما تنطلق شركات القطاع الخاص العملاقة عندنا بجهودها؛ لزيادة المحتوى المحلي باطراد، فلا بد أن تأخذ الجهات المعنية مبادرة باحتساب القيمة المضافة لكل منتج محلي، والتفكر في كيفية ترغيب وتحفيز منشآت القطاع الخاص؛ للاستفادة من الموارد البشرية المحلية ومن بقية مستلزمات الإنتاج المتاحة محلياً.

ويمكن بيان أن مبادرة من هذا النوع ستعني توفير المزيد من فرص العمل للباحثين عنها، وزيادة فرص التكامل بين المنشآت المحلية، وستعني فرصاً للنمو للمنشآت الصغيرة، واستقطاباً للاستثمارات عبر مبادرات الشراء المحلي. 

 

ولا بد هنا من النظر بكثير من الاهتمام، لكلمات الشكر (عبر التحفيز المالي) التي أطلقها صندوق تنمية الموارد البشرية لكل من وظف سعودياً.

ولعل من الملائم التفكر في إطلاق كلمات شكر مشابهة (بتحفيز مادي ومعنوي) لكل منشأة ترفع محتوى منتجاتها، ففي نهاية المطاف، هذا ما سيجعل الإقبال أكبر على تشغيل المواطنين والمواطنات، وهذا ما سيؤدي لتكامل وتشابك المنشآت المحلية، وما سيؤدي لزيادة نشاط الاحلال محل الواردات بصورة تضيف للاقتصاد الوطني لا أن تأخذ منه فقط.

نقلا عن اليوم