القرض الإضافي و«توريط المواطنين»

26/05/2014 14
د.عبد الوهاب أبو داهش

لم يكن الوصول الى إقرار القرض الإضافي سهلا. فالجهود التي بذلت حتى تم إقراره تطلبت الكثير بدءا من الشروع في إصدار أنظمة الرهن العقاري التي أخذت أكثر من سبع سنوات حتى رأت النور مؤخراً، ومروراً بإعادة هيكلة الصندوق العقاري الذي أخذ وقتا طويلا أيضا حيث تم رفع قرض الصندوق من 300 الف ريال الى 500 ألف ريال، وزيادة رأس مال الصندوق، ثم تبني الصندوق لعدة منتجات للاستفادة القصوى من السيولة العالية في الاقتصاد، حتى نجح مؤخرا في إقرار القرض الإضافي.

وكان على وزارة العدل أن توافق على أن يرهن العقار باسم الصندوق العقاري والشركة الممولة (البنك) في آن واحد، وهو الأمر الذي أخذ أكثر من عامين لتحقيق ذلك.

هذه الجهود المضنية ليست من أجل توريط المواطنين في مزيد من القروض بقدر ما هي اتاحة عدة خيارات أمام المواطنين في الاستفادة من السيولة العالية في الاقتصاد لتملك منزل.

فإتاحة تعدد الخيارات هي إحدى الخصائص المهمة التي تتمتع بها الاقتصادات المرنة، وهي أيضا ميزة قوية لتعدد الفرص لأولي الألباب، فالتمويل ظل أهم العوائق لزيادة المعروض من الوحدات السكنية.

فبسبب غياب أنظمة الرهن العقاري التي لم تطبق الا هذا العام تحفظت البنوك في اقراض القطاع العقاري، فلم تتزايد شركات التطوير العقارية وكذلك شركات التمويل العقارية الا مؤخرا بسبب استبشارها بإصدار أنظمة الرهن العقاري.

وبسبب غياب التمويل العقاري انتشرت المساهمات العقارية والمضاربات في الأراضي بسبب نقص السيولة ورغبة من بعض العقاريين في توليد السيولة ما أضاع مليارات الريالات على المواطنين.

لذا فصدور أنظمة الرهن العقاري سيساعد كثيرا في القضاء على سلبيات الماضي بإتاحة التمويل للمطورين والأفراد لخلق صناعة تطوير عقارية راسخة يحميها نظام عدلي واضح، ويساهم في مزيد من (الإبداع) و(الابتكار) في التمويل. ولعل احدى نتائجه هو القرض الإضافي والذي كان فكرة قديمة جدا لم تتحقق الا بعد سنوات طويلة.

وقد يعتقد البعض أن القرض الإضافي وأنظمة الرهن العقاري هما من أسباب ارتفاع أسعار العقار، والحقيقة التي يغفلها الكثيرون هي أن النمو الاقتصادي والازدهار الذي حدث في الاقتصاد العالمي ككل أدى الى ارتفاع الاسعار بشكل عام.

فارتفعت الأجور والمواد الأولية، والسلع. وهذا أمر طبيعي فالاسعار تتنامى مع نمو الاقتصاد، وزيادة السكان، وارتفاع الطلب، ما يخلق زيادة في الانفاق على المشاريع في عدة قطاعات لمقابلة الطلب السكاني. فلم يكن العقار هو الوحيد الذي شهد ارتفاعات متوالية، بل إن الكثير من السلع شهدت ارتفاعات هي الأخرى بدءاً من المواد الأساسية ومروراً بالسيارات، وغيرها من احتياجات الناس في كل دول العالم ومنها البلدان الفقيرة أيضا.

وتبذل الحكومات جهودا كبيرة للجم وكبح الزيادة في الأسعار لكنها قد لا تحقق نجاحات خصوصا اذا كانت عوامل ارتفاع الأسعار هي عوامل جوهرية تتمثل في ارتفاع الطلب ونقص المعروض. فالحكومات تعمل على معالجة الخلل الهيكلي في الاقتصادات لجعل الاقتصاد أكثر مرونة وأقدر على تلبية احتياجات المواطنين بوضع أنظمة وتشريعات لمعالجة هذا الخلل.

فعلى سبيل المثال، لم تستطع وزارة التجارة من خفض أسعار السيارات، ولا المواد الأساسية، لأن ذلك خارج قدرتها ويتسق مع النمو الطبيعي الذي حدث في اقتصادات الأسواق العالمية، وليس سوقنا المحلية فقط. لذا فإن الرهان على أن ماتقوم به وزارة الاسكان من جهود سيؤدي الى خفض العقار بشكل دراماتيكي فيه مبالغة من قبل بعض الكتاب والمراقبين، وفيه تثبيط للمواطنين المؤهلين لتملك مسكن العمر من الاقدام على ذلك.

إن المعترضين على أنظمة الرهن العقاري وما أفرزت من منتجات مثل القرض الإضافي لا يختلفون عن المعترضين على المبرقة، وتعليم المرأة، ودخول التلفاز، واستخدام الهاتف والجوال. وهم بقصد أو دون قصد يقفون أمام النمو الطبيعي والمنطقي للأشياء، ويقفون (بوعي او دون وعي) أمام الابداع والابتكار والأنظمة والتشريعات التي يشهدها ويحتاجها الاقتصاد السعودي.

نقلا عن الرياض