المسن الرضيع

19/05/2014 0
سعيد بن زقر

قضت سنة الله أن تكون دورة حياة الإنسان أطواراً ، تبدأ بطور الضعف ،فطور القوة، وتنتهي لضعف كما بدأت به ‘وتظل لكل سماتها المميزة وخصائصها المحببة التي تدلل عليها.. ويتميز الشباب بمرحلة بالعطاء والإنتاج واستيعاب متغيرات الحياة الاقتصادية ومواكبة تطوراتها مثلما تتميز أعمار الحكمة بتشجيع الشباب بالانخراط المبكر في الأنشطة الاقتصادية لإثراء تجاربهم ولتجاوز مفترقات طرق الحياة بأفضل الاختيارات ..ولهذا عمر الإنسان حصاد اختياراته وسجل تجاربه حتى إذا وصل طور الكهولة وفقد سمات الحيوية واكتسب صفات الحكمة فإنه سيجد ما نقل من مهارات وتجارب صار عملاً نافعاً وأنه نقله لغيره قبل أن يفقده بفقدان القدرة على العطاء ،لأن الإنسان يدخل دورة حياة عمرية تسميها العرب أرذل العمر ويعود للطفولة والضعف من بعد قوة.

الأهمية الاقتصادية لنقل التجارب تجسدها فضيلة تواصل الأجيال بين الشباب ومن يتقدمهم عمراً فهي بقدرما تثري تجارب الشباب بقدرما تحقق تبادل القيم الفاضلة ،وتعميق للوعي بالمخاطر المختلفة مما يسهل النفاذ للفرص التي تضيف قيمة، والشباب في الحقيقة يحتاجون لمن يأخذ بيدهم ويقودهم ويكسبهم المهارات المختلفة وعليهم بالطبع التعلم وتطبيق ما يتعلمون في تحقيق هدف الخلافة في الأرض وإعمارها قال تعالى:

(هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) ومن معاني الإعمار الإبداع وخلق الوظائف وتحسين جودة الحياة.

وأثناء ذلك يبرز التمايز بين الأجيال المتقدمة والشباب كجزء من طبيعة الإنسان لأن التقدم في العمر يجسد النضج وإجادة أساليب الإدارة وصفات القيادة واستيعاب مقومات نجاح العمل التجاري وبينما يفترض في الأعمار الشبابية الحماسة والإحاطة بنظريات العصر مع نقص في الجانب التطبيقي مما يقتضي الالتزام بالتواصل بين الخبرة القيادية ووسائلها التطبيقية للربط بين التجارب العملية والأكاديمية.

وتأتي تهيئة الشباب لذلك كشرط لتحمل المسئوليات المستقبلية لأن التمايز في الأداء إنما يتأتى من التهيئة المبكرة ولابد أن يتوقع القائد عدم التطابق ومحاكاة التجارب الاقتصادية الناجحة التي تفعل معايير انتقال المسئوليات اعتماداً على متوسط أعمار القيادات ولا عجب إن رأى البعض أنه كلما مالت الإدارات لتشجيع الأعمار الشبابية في الإدارة كلما أصابت نجاحاً في المدى البعيد، وإن صح القول بأن معايير جودة الحياة ومستوى المعيشة كمحدد لقياس الأعمار تختلف من أمة لأخرى وتبعاً لها يختلف تعريف الشاب وسن التقاعد لكن إذا كان مستوى المعيشة يقاس بالحالة الفردية وليس بمستوى دخل الأمة فإن ذلك ينعكس على جودة الحياة وهي قد تعكس خللاً في توزيع دخل الأمة لأن هناك أمماً دخلها مرتفع ومستوى جودة الحياة فيها متراجع بسبب تركيز الثروات في فئة ضيقة وبالتالي هذا يجعل التفسيرات متباينة ،وشاهدنا أن تواصل الأجيال غير مختلف عليه لأهميته في إزالة التشويش بين المرسل والمستقبل أي بين الشاب ومن يتقدمه عمراً والقاعد الحاذق يقدم جرعات تدريبية تتدرج مع المسئوليات ويراقب ويصوب الأخطاء كأسلوب من أساليب بلوغ الأهداف وأهمها نجاح الانتقال القيادي السلس.

إن تواصل الأجيال بهذه الكيفية صار عامل نجاح حاسم بل هناك شركات غربية تميل لتوثيق تجارب مؤسسيها لتوظفها في التدريب والتواصل.

وفي الحقيقة السير الذاتية لكبار مديري الشركات بقدرما تفيد تجارب الأجيال الجديدة تفيد الإنسانية لأنها تعمم المبادرات الناجحة وكيف أسسها الرواد وكيف تغلبوا على الصعاب وبالمثل نتعلم من أعلام التجارة في المملكة كيف تجاوزوا التحديات التجارية وكيف تواصلوا مع الأجيال في مؤسساتهم بل نعرف دور القطاع الخاص في التنمية الاجتماعية في أزمانهم وماهي آلية الإعانات التي كانت تمنح سراً أو في هيئة صدقة(مخفية) لوجه الله ، ولكن هذه السير لو سجلت لتعلمنا الكثير عن القطاع الخاص والمسئولية الاجتماعية في مراحله المختلفة ودوره في تنمية المجتمع وتحسين جودة حياة الأفراد.

بعضنا يلم بمبادرات وبعضنا يعرف صاحب عمل علم أفراداً أو دعم أسرة فقيرة أو أفاد مجتمعه بتغييره من خلال التعليم وتخريج مهندس أو طبيب أو أي مهني نهض بمسئولية أسرية أو خلافه ولكن هذا الاسهام قل أو كثر يجب أن يتعلم منه الناس كيف يخرجون بعضهم من دائرة الفقر إلى فضاء اليسر المعيشي وجودة المعيشة والرفاه الإنساني والحياة اللائقة الكريمة.

ولا شك أن فترة تولي قيادة العمل التجاري في الشركات الخاصة تجسد سجلاً للخبرات والتجارب الإنسانية الثرة وتجسد مصاعب وتحديات وتوفر وسائل للتغلب عليها ولهذا تعلم الشباب إنما يتم بالاطلاع على السير الذاتية ومتابعة رموزها الذين إن سجلوها سيكونون حاضرين في غيابهم لأن تسجيل التجارب الحياتية ينفع وقد يدخلهم في مفهوم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ومنها صدقة جارية أو علم ينتفع به.

ومن المدهش أن هناك ميلاً من قادة العمل التجاري الناجح بعدم تسجيل تجاربهم ومنحه أهمية بافتراض أن تجاربهم ليست بذلك الثراء ..هذه نظرة تحتاج لتصويب إذا كان للشباب أن يتعلموا منهم ويكتسبوا مهاراتهم في النجاح واستمراريته.

نقلا عن المدينة