تعتبر البطالة الأزمة الأولى في البلدان النامية وحتى المتقدمة، ولكن الأخيرة اعتمدت برامج محفزة لتقلل من نسبة تفاقم المشكلة التي تعتبر بؤرة لأزمات قد تكون أكثر خطورة.
البطالة التي تحدثنا عنها مراراً هي أزمة اقتصادية، اجتماعية، سياسية، ناتجة على الأرجح عن قصور في التعاطي معها، ففي الدول الخليجية كحال الدول النامية، يلعب القطاع العام دوراً كبيراً، ويعتبر راعياً رئيسياً لسوق العمل، بما يمتلكه من نقاط جذب للمقبلين على العمل، فلم تسع حكوماتنا لتحسين بيئة العمل بالقطاع الأهلي الذي يتميز بعدم استقراره، طيلة السنين التي وضعت يدها على العلة لجعله منافساً للعام ولديه القدرة على جذب العمالة الوطنية.
إن أبرز الحلول لتقليل نسب التعطل في بلداننا هو تشجيع العاطلين على صنع مشاريعهم بأنفسهم، وخلق سلسلة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر والتعامل معها بتقنية عالية لا بكونها مشاريع اجتماعية، أو مشاريع ليست ذات جدوى.
للأسف، مناخ دولنا طارد للنجاح، وهذا الأمر لا تتحمله الحكومات فحسب، بل تتحمله المؤسسات، والمجتمع بأفراده فهم لا يثقون بالمنتج المحلي وكأن به عيب، ولذا يحارب الناجحين ولا اعرف سبباً لذلك.
فنحن نتحدث بإسهاب عن الغزو الأجنبي وسلبيته والحقيقة إننا نشجعه بقوة، بينما لا نهتم بالمنتج المحلي ولا بالمشاريع الوطنية، ولكن وإن ألقيت بحجة على الحكومة والمؤسسات الممولة أو المجتمع، لا يعني انه ليس هناك أصحاب مشاريع لا يكترثون بالمقاييس الدولية، وبعضهم لا يهتم بالخامات، وآخرون لا يهتمون بالوقت، ومنهم من لا يملك فن التعامل مع الزبائن، ولا يجيد الإدارة وان كان يجيد الحرفة التي بين يديه، وهم على الأرجح من عزز هذه الفكرة.
ذلك القصور يحتاج للتفكير بتأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة ومتناهية الصغر بصورة أكثر جدوى ونفع، والتعامل معها كقطاع رديف لقطاعات الاقتصاد التي تصب في الناتج المحلي.
إلى الآن لم تظهر لنا مشاريع توصف بأنها واعدة لتصبح بحجم المشاريع العالمية العملاقة التي بدأت صغيرة، وبدون دعم حكومي، رغم إن التكنولوجيا اليوم وسرعة التواصل واللغة المستخدمة باتت أسهل من قبل، وأصبح بالإمكان أن نشهد مشاريع ترتقي لتأسيس شركة برمجيات أو حتى تصنيع قطع غيار سيارات في دولنا بدل مشاريع الصالونات وال»جاتوه».
مستقبل هذا القطاع واعد جدا، فدول مثل ألمانيا واليابان من أكثر الدول الصناعية حضوراً، اعتمدت بشكل أساسي على قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتصبح اليوم الدول الأولى في التقدم الصناعي.
يمكن لدولنا أن تتحمل أعباء مالية لتؤسس قاعدة انطلاقة لمثل هذه المشاريع التي تكبر مع الوقت، فالمستقبل لا يبشر بالخير والسيولة في تناقص، ولم نعد بعد لاقتصاد مستدام يعتمد به على نفسه قبل أن ينفد النفط أو يرخص، وهذه المشاريع ستعمل على تقليل نسب البطالة وبناء اقتصاد حيوي.
نقلا عن اليوم