هل الخبرة «تأكّل عيش»؟

07/05/2014 5
د. إحسان بوحليقة

هل السعودي حديث التخرج قابلية توظيفه ضعيفة؟ وإن كانت ضعيفة فلماذا؟ لماذا يقبل أرباب العمل على منح وظائف لحديثي التخرج من الشرق والغرب لكن يبدو ترددهم عندما يتعلق الأمر بتوظيف المواطن الخريج؟ الأمر يستحق بحثا معمقا، لاعتبارات سبق أن تحدثنا عن جانب منها وهو الحفاظ على الرأسمال البشري، والذي لن يتحقق إلا من خلال الموظف المواطن.

وكما يقال «مالك غير خشمك لو كان عوج»، وخريجونا ليسوا عوجاً بل خير وبركة، لكن حتى وإن كان الخريج يعاني من نقص في التأهيل، فقد أصبح الآن العديد من البرامج التي أطلقتها وزارة العمل بدعم من صندوق الموارد البشرية، تتراوح بين توفير التمويل للتدريب ولدعم الأجر، وهذا قد عزز وضع المواطن والمواطنة ممن يبحثون عن عمل. ما علينا التفكير فيه الآن، هو كيف نحمي خريجينا من المنافسة غير المنصفة من حديثي التخرج الذين يستقدمون من خارج البلاد؛ فهؤلاء لا يملكون خبرة ولكن أجرهم عادة أقل ويقبلون بشروط عمل أشد، رغم تعارض ذلك مع نظام العمل الذي لا يفرق بناء على الجنسية.

وهكذا، من المفيد النظر في تقيدات لاستقدام الوافدين الجامعيين ممن لا يملكون الخبرة، لاسيما أن الشريحة الأولى ممن يبحثن عن عمل من السعوديات هن حملة الشهادات الجامعية، فيما يأتي الجامعيون في المرتبة الثانية بين الذكور، حسب مصلحة الإحصاءات العامة.

لكن لماذا تخصيص الخريج الجامعي بكل هذا الاهتمام؟ هو جزء من الشريحة المستهدفة لتوطين الوظائف القيمة، وهي التي تمثل أفضل استثمار لمواطنينا ممن يملكون التأهيل العلمي وبالإمكان تطويرهم مهنياً والاعتناء بهم ليكون لهم مسار وظيفي يجعل منهم خبراء في مهنهم بعد سنوات من الممارسة اللصيقة.

ثم أن تكوين جيل من الخبراء لن يأتي مصادفة، بل من خلال جهد منسق على أكثر من صعيد، وبتعاضد الإدارات الحكومية المختصة بحماية حديثي التخرج من المنافسة الوافدة.

ولعل من الخطوات التي بالإمكان اتخاذها، الإصرار على انضمام هؤلاء الخريجين إلى الجمعيات المهنية في مجالات الأعمال والطب والهندسة والتعليم والتربية، والترتيب مع تلك الجمعيات لإعداد برامج تطوير مهني للتخصصات المتنوعة.

ولا بد من إطلاق حزمة لتحفيز الشاب الجامعي أن يلازم مجال تخصصه فلا يغادره لوظائف كتابية أو إدارية حتى لا يفقد حزمة التحفيز؛ فالبلاد بحاجة للخبير الممارس، أي المهندس الممارس والطبيب الممارس والمحاسب الممارس، أما من اختار ترك تخصصه وقرر أن يأخذ وظيفة إدارية ولا يمارس الهندسة أو الطب، بل يوقع أوراقاً ويشارك في اجتماعات إدارية، فلا يعتبر ممارساً، فالخبرة ليست بعدد السنوات منذ التخرج، بل بعدد السنوات التي مارس فيها مهنته. وهذا ليس ابتداعا، فهو شرط مستقر لعضوية الجمعيات المهنية كممارس وليس كعضو شرف!

إن الاعتناء بتكوين مخزون مواطن من الخبراء الممارسين ضروري للتأسيس لبرنامج وطني للمحافظة على الرأسمال البشري، وهذا يتحقق بتضافر جهود الجهات الحكومية المشرفة من خلال: الحد من استقدام حديثي التخرج، وتمويل باقة لتحفيز حديثي التخرج من المواطنين للبقاء في مجالات تخصصهم والانضواء في برامج للتطوير المهني، وتقديم دعم للجمعيات المهنية المتخصصة لتعدّ وتطلق برامج تخصصية لتطوير الممارسين، وكذلك لتشجيع أرباب العمل وخصوصاً الشركات الكبيرة لإطلاق برامج للتطوير المهني لموظفيها الجدد من حملة الشهادات الجامعية.

ولعل من الضروري أخذ خطوات عملية للتميز وفقاً لاحتياجات الاقتصاد الوطني، فإن لم نمنح المهندس الذي يعمل في مجاله وفي الميدان ميزة، فما الذي يدفعه للابتعاد عن الكرسي الوثير، وعدم ممانعته في أن يقوم مهندس وافد بالأعمال الهندسية ويكتسب بذلك الخبرة ويراكمها ثم يغادر البلاد ومعه حصيلة هائلة من الخبرة الهندسية؟ والأمر ذاته ينطبق على العديد من التخصصات.

فإن كنا مقرين أن ليس لدينا من الكوادر البشرية ما يكفي لتغطية احتياجات الاقتصاد الوطني واحتياجات المجتمع، فليس أقل من أن ننتهج اسلوباً يسعى للاحتفاظ بأفضل الوظائف للسعوديين والسعوديات وتأهيلهم مهنياً لشغلها بجدارة.

وأفضل الوظائف هي الوظائف المهنية؛ فهي الأعلى أجراً، وهي الأكثر حساسية لتنويع الاقتصاد الوطني، كما أنها عماد تنمية مخزون من الرأسمال البشري، الذي لا توجد خطة ظاهرة لتنميته ورعايته واستثماره.

نقلا عن اليوم