بعد مقالي الأسبوع الماضي عن التدريب الفني تلقيت اتصالاً الأخ الدكتور صالح العمرو المدير التنفيذي لكليات التميز عارضاً اطلاعي على فكرة كليات التميز وما قامت به المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني من جهود في هذا الشأن.
ودون الدخول في تقييم مبادرة كليات التميز فإن أكبر مشكلة تواجه المؤسسة هي أنها واقعة بين سندان التوسع في القبول الجامعي ومطرقة طبيعة فرص العمل المتاحة في القطاع الخاص بصورة تجعل مهمتها مستحيلة.
فمن جانب تعاني المؤسسة، وكما أشرت في مقال الأسبوع الماضي، من تدهور مستمر في مستوى مدخلاتها بسبب التوسع الكبير في القبول الجامعي، بحيث أنه حتى لو افترضنا جدلاً أن كليات التميز وغيرها من وحدات المؤسسة وفرت بيئة مناسب لتنفيذ تدريب عالي الكفاءة فإنه يستحيل أن تحقق إي نتائج إيجابية في ظل محدودية إمكانيات الملتحقين فيها، فأي تحسين في مستوى التدريب يلزم أن يواكبه ارتفاع في مستوى المدخلات لا أن تتدهور وتتراجع.
من الجانب الآخر، فإنه حتى لو أصبحت مخرجات التدريب الفني عالية التأهيل وتزايد أعداد خريجيها بشكل كبير فإنه لن يكون هناك ما يكفي من فرص العمل في القطاع الخاص لهذه النوعية من الخريجين.
فالمشكلة ليست في أن تأهيل العمالة السعودية، بما في ذلك العمالة الفنية، لا تتناسب مع متطلبات القطاع الخاص كما يدعي هذا القطاع، وإنما في كون معظم الأعمال المتاحة في هذا القطاع تتطلب تأهيلاً وخبرةً متدنية جدا تصبح معه مخرجات نظامنا التعليمي رغم رداءتها هي أعلى تأهيلاً مما يتطلبه أداء تلك الأعمال.
فمعظم فرص العمل الموجودة في القطاع الخاص السعودي تتطلب تأهيل ومهارة متدنية جدا يؤكده كون ما يزيد على 78% من العمالة الأجنبية في هذا القطاع عمالة أمية أو تقرأ وتكتب فقط. بالتالي حتى لو نجحت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في إحداث نقلة كبيرة في مستوى أدائها وأصبحت تخرج أعداد وفيرة من الخريجين عالي التأهيل والكفاءة فلن يكون هناك ما يكفي من فرص العمل التي تناسب تأهيلهم في قطاع يقوم نموذج أعماله على توظيف مكثف للعمالة متدنية المهارة والأجر.
من ثم وطالما لم نتبن استراتيجية تستهدف إحداث تحويل جذري في نموذج أعمال القطاع الخاص من خلال الحد من تدفق العمالة غير الماهرة ورفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية بشكل كبير يجبر القطاع الخاص على التحول إلى نموذج أعمال يخلق قدر أكبر من فرص العمل عالية الدخل والمهارة، التي ستكون بالضرورة أكثر مناسبة للعمالة السعودية، فإنه لا أمل في أن يتحقق أي جدوى من جهود تطوير التدريب الفني، وعلينا أن ندرك أن من أكبر الخرافات التي يتم ترديدها الادعاء بأن زيادة نسبة خريجي المجالات الفنية سيضمن فرص عمل أكبر للعمالة السعودية فهذا لن يحدث وسينضم معظمهم إلى صفوف العاطلين طالما بقي نموذج أعمال القطاع الخاص على حاله.
والحقيقة أن استمرار غياب التخطيط الاقتصادي الاستراتيجي في المملكة جعمن غير الممكن وضع استراتيجيات تنموية شاملة وحد من إمكانية توائم وتواكب جهود الأجهزة الحكومية المختلفة وترك مهمة التخطيط لأجهزة تنفيذية لا تملك القدرة على ذلك، غدت معه هذه الأجهزة أشبه بجزر معزولة لا تنسيق بينها بل وكل جهاز ينكث غزل الآخر، وأصبحت تنتقل من مبادرة فاشلة إلى أخرى لا تملك أدنى فرصة للنجاح أيضا، فأُهدر المال العام وتلاشى الأمل في تحقيق الأهداف.
وفي أحيان كثيرة قد لا يكون الخلل في المبادرات نفسها وإنما في كون نجاحها يتطلب أن تكون جزء من استراتيجية أوسع وأشمل تضمن تضافر جهود مختلف الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، وهذا مستحيل ما بقيت وزارة الاقتصاد والتخطيط وغيرها من أجهزة التخطيط الاقتصادي في بياتها الشتوي الذي غيب أي دور حقيقي لها في عملية التنمية.
نقلا عن جريدة الجزيرة
د/ عبدالرحمن السلطان ماأيك في هذا الخبر ؟ مسؤول حكومي ينسحب من مواجهة "الوطن" بإغلاق هاتفه http://www.alwatan.com.sa/local/News_Detail.aspx?ArticleID=184610&CategoryID=5
http://www.alwatan.com.sa/local/News_Detail.aspx?ArticleID=184610&CategoryID=5