كان من النتائج المهمة التي ترتبت على اكتتاب مسيعيد هذا العام، حدوث تحول ملحوظ في المزاج الاستثماري العام لدى الناس في قطر، وتفضيلهم العودة الجماعية للبورصة.
وقد بدا أثر ذلك واضحاً في الأسابيع الأخيرة على أحجام التداولات اليومية، التي تجاوزت المليار ريال ووصولها إلى ما بين 1,4 إلى 1,5 مليار ريال يومي الأربعاء والخميس.
كما انعكس ذلك حتما على مستويات أسعار الأسهم وعلى المؤشرات بأنواعها، ونجح المؤشر العام في إحداث اختراقات متتالية لحواجز المقاومة التي استعصت عليه في الماضي، وصولاً إلى 12397 نقطة مع نهاية الأسبوع.
وقد عززت بعض التطورات الإيجابية من هذا الأثر، وساهمت في تحقيق هذه الإنجازات في زمن قصير، ومن ذلك تداخل موسم توزيع الأرباح عن عام 2013، مع موسم الإفصاح عن نتائج الربع الأول من العام 2014، وحدوث تحسن في الأداء العام للشركات، ونمو أرباحها بنسبة 11% مقارنة بتراجع محدود عام 2012.
وبينما ظلت معدلات الفائدة على الودائع عند أدنى مستوياتها تاريخياً، فإن تحسن المردود في سوق الأسهم قد عجل بتحول الأفراد والشركات من سوق الودائع المصرفية إلى البورصة.
كما كان لاقتراب حدث الترفيع الرسمي للبورصة القطرية إلى سوق ناشئة بدلاً من سوق مبتدئة في الأول من مايو تأثير إضافي معزز، بدت ملامحه في انفراد المحافظ الأجنبية بعمليات الشراء الصافي وبكميات كبيرة منذ عدة أسابيع.
وفي ظل هذه الأجواء الإيجابية التي تسود المناخ الاستثماري، فإن التوقعات باتت تشير إلى إمكانية وصول المؤشر العام إلى مستويات قياسية عاليه هذا العام.
ولكن هذا الإرتفاع السريع سوف يصاحبه بالضرورة ارتفاع مكررات الربح لأسهم الشركات ولكل السوق عن المستويات المقبولة والمأمونة من حيث المخاطر.
المعروف أن مكرر الربح يكون جيداً وآمنا إذا ما ترواح ما بين 10-15 مرة أي أن سعر السهم يكون مساوياً للعائد لعدد 10 إلى 15 سنة.
وقد تجاوز المكرر المتوسط هذا المستوى في الأسبوع الماضي واقترب من 16 مرة بعد أن ظل لعدة سنوات سابقة دون 12 مرة.
وتبين أن مكررات أسهم نصف الشركات كلٌ على حدة أو نحو 21 شركة قد باتت تزيد عن 16 مرة، وتتراوح ما بين 16,5 إلى 47 مرة مع ارتفاع المكرر في دلالة بصفة استثنائية إلى 101.
ويرى البعض في ارتفاع المكررات عن المستويات المأمونة نوع من التفاؤل والثقه في الاقتصاد القطري وفي تنامي أرباح الشركات، وهم يشيرون إلى أن مكرر الربح المتوسط للسوق ككل في عام 2005 قد بلغ نحو 44 مرة.
ورغم وجاهة هذا الرأي، إلا أن تكراره في عام 2014 قد لا يكون أمراً حميداً إذا ما تذكرنا أن الارتفاع الكبير في عام 2005 قد أعقبه هبوط حاد. والملاحظ أن الارتفاعات الأخيرة في أسعار الأسهم قد باتت تركز على أسعار الأسهم الخفيفة الوزن التي تقل أسعارها عن 30 أو 40 ريالاً للاسهم، وهو ما يتم غالباً في إطار عمليات مضاربة لجني أرباح سريعة.
ومثل هذه المضاربات لا يلتفت أصحابها لمكررات الربح أو أساسيات الواقع المالي للشركات، وبالتالي فهي قد تكون سلاح ذو حدين فإما أن يحقق أرباح كبيرة أو يتسبب في خسائر أكبر.
وخلاصة ما أود الإشارة إليه إلى أن الارتفاع السريع للأسعار والمؤشرات في البورصة قد تكون له سلبياته التي من بينها مساهمته في تعزيز انماط الإنفاق الاستهلاكي البذخي، مع احتمال تحوله إلى فقاعه قابلة للإنفجار إذا ما ظلت البورصة عاجزة عن خلق فرص استثمارية جديدة.
ولكي لا يحدث ذلك ،،،، فإن الجهات المعنية مطالبة بزيادة عدد الشركات المدرجة في البورصة بما لا يقل عن 3 شركات في السنة الواحدة. فمثل هذه الإدراجات توفر فرصاً استثمارية وتمتص السيولة الفائضة من أرباح تجارة الأسهم.
وبدلاً من أن تضغط هذه السيولة على أصحابها للبحث عن مجالات أرحب للاستهلاك، فإنهم يضطرون إلى إعادة تدويرها في شراء أسهم شركات جديدة بأسعار مناسبة، ويصب ذلك في النهاية في تعزيز السلوك الإدخاري لدى الأفراد والشركات.
ولقد سبق أن تناولت هذا الموضوع في مقالات سابقة، ونوهت إلى أهمية تطبيقه على أرض الواقع حتى يتمكن المستثمرين من ترتيب أمورهم وعدم التصرف في الأرباح التي جنوها في الأسابيع الأولى من عام 2014.
وإذا كانت الحكومة قد وعدت ببيع حصص أخرى من مساهماتها في الشركات التابعة لقطر للبترول، فإن هناك شركات أخرى قائمة لا زالت تنتظر السماح لها بإدراج أسهمها في البورصة.
وهناك إمكانيات واعدة لإنشاء العديد من الشركات الجديدة بجهود القطاع الخاص وذلك إذا ما تم تذليل العقبات التي تحول دون ذلك، ومثل هذا التوجه هو الذي يساعد على خلق تنمية مستدامة في سوق الأسهم المحلية، ويعزز من السلوك الإدخاري في المجتمع .