بالرغم من السلبيات التي رافقت البترول وإمداداته على الدول المنتجة، وتسبب في إثارة القلاقل والفتن واندلاع الحروب المحلية والإقليمية واغتيال المسؤولين بالنهج الامريكي الذي كان يتعامل به منذ الحرب العالمية الثانية وكان يطلق عليه كوفرت أكشين (Covert Action )، بسبب تفعيل وتصاعد الأزمة البترولية التي بدات في عام 1973م والمواقف العربية ضد الكيان الصهيوني وحلفائه،ولكن لاشك بأن هنالك جوانب ايجابية لصدمة البترول في عام 1973، فلقد أخدت منظمة الأوبك بيدها زمام المبادرة في عملية تسعير نفطها الخام على المستوى العالمي، وأصبح موضوع تحديد أسعار نفطها عملاً من أعمال السيادة الوطنية على الموارد الطبيعية يتم اتخاذه من الدول الأعضاء وحدها دون الرجوع الى استشارة او مفاوضة جهة اجنبية متمثلة بشركات النفط الكبرى.
وعلى البعد السياسي تغيرت المواقف الاوربية بعيد انتهاء حرب 1973م، حيث طلب وزراء خارجية المجموعة الاقتصادية الأوروبية الذين يشكلون منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD الكيان الصهيوني بالانسحاب من الأراضي المحتلة، كما أن اليابان والفلبين أيدوا الموقف العربي، كما قامت معظم دول منطمة الوحدة الافريقية بقطع علاقاتهم مع الكيان الصهيوني، وهذا كله بغية استمالة الدول المنتجة للبترول واستمرار تمويل السوق العالمي للبترول، وإيجاد التوازن بين معدل تصاعد أسعار البترول ومعدل النمو الاقتصادي العالمي.
الجوانب السلبية للأزمة البترولية، وإفرازاتها الملموسة في وقتنا الحاضر، نظراً لتآكل جزء من القوة الشرائية لعوائد اقطار الاوبك بسبب التضخم وضعف الدولار، كما أشرنا عانت اقطار اوبك من وطأة التضخم وارتفاع اسعار السلع والخدمات وعانت من الخسائر الكبرى التي لحقت بدول الأوبك وعوائدها المالية في الوقت نفسه، وأصبحت بعضها دولاً مقترضة منذ عام 1974.
كما تعمق التنافس المحموم بين دول منظمة أوبك والدول المستهلكلة للبترول في عام 1975 خصوصاً بعد قرار أوبك بزيادة الاسعار بنسبة 10%، وقيام الدول المستهلكة بتقليص مشترياتها من النفط الخام من اوبك، ولكن منظمة أوبك ردت على ذلك بتخفيض صادراتها النفطية بنسبة 11% كمعدل وسطي، ولكن هذا الإجراء نتج عنه رد فعل عكسي على منظمة اوبك نفسها، حيث أدى ذلك التخفيض الى انشقاق وشرخ في كيان المنظمة نفسها ونتج عنه حدوث تنافس وصدام بين اقطار اوبك نفسها، وبدأت تواجه الكثير من المصاعب كون أقطارها كما هو معلوم دولا نامية متخلفة تقنياً واقتصادياً، وحتى سياسياً، وعرضة للابتزاز من شركات النفط ودولها الغربية.
وانطوت منظمة اوبك على نفسها بين شد وجذب وعدم التزام اعضائها بالتقيد بتقليص الانتاج، مما اضطر منظمة اوبك الى الدعوة لتشكيل لجنة خاصة لدراسة معطيات استراتيجية مشتركة للإنتاج، ولاحت في الأفق بوادر إيجابية توافقيه بنيت على أسس علمية التوصل إلى أسعار عادلة منها تنبع من أن القيمة الحقيقية للبترول كمصدر للطاقة وكمادة أولية وثروة وطنية، وأن اسعار البترول يجب ربطها بأسعار مصادر الطاقة الأخرى، وكذلك بارتباطها مع معدلات التضخم العالمي وارتفاع اسعار السلع والخدمات.
وفي مؤتمر الدوحة بنهاية عام 1976 ظهرت عدة آراء بخصوص الاسعار بشكل عام منها مايميل الى تجميد الاسعار بينما نادت الاغلبية بزيادتها، وتم الاتفاق على تبني نظام السعرين للنفط العربي، ولكن النتائج السلبية لذلك القرار والتي اعقبت ذلك المؤتمر، دفعت منظمة الاوبك الى عقد مؤتمر لها في 1977 في مدينة ستوكهولم وكان يهدف بالدرجة الاولى الى إلغاء نظام السعرين، وقد أحرزت نجاحاً جزئياً في توجه أسعارها.
وبنهاية عام 1978م لاح في الأفق نظام الزيادات المتدرجة بأسعار نفوط الأوبك الخام والذي تم إقراره في مؤتمر ابو ظبي.
ويعتبر مؤتمر ابو ظبي هذا مؤتمرا هاما حيث بحثت فيه مواضيع مهمه تتعلق بمستقبل المنظمة امام المصادر النفطية الاخرى من خارج اوبك مثل نفط المكسيك ونفط بحر الشمال ونفط الاسكا، والذي للتو تم اكتشافه وانتاجه، وتم اقرار توحيد الزيادات المتدرجة بالاسعار وظهور علاوات السوق مع اسعار نفوط الاوبك.
ولكن نتيجة للضغوط الامريكية السياسية والاقتصادية وربما «الابتزازية» على بعض دول اوبك، ادى بعض الاقطار وخصوصاً العربية منها بالتراجع عن تطبيق كامل الزيادات بالاسعار، واكتفائها بزيادة 50% فقط منذ بداية عام 1979م.
ولكن ايران تحت قيادة الشاه محمد رضا بهلوي لم يلتفت الى الضغوط او التهديدات الامريكية ولم يتراجع دولة الشاة بهلوي عن تطبيق توحيد الزيادات المتدرجة بالاسعار وفرض علاوات السوق مع اسعار نفوط الاوبك، وفي منتصف يناير من عام 1979، أُرغم الشاه على مغادرة إيران للمرة الثانية ولكن هذه المرة بغير رجعة، وهذا ما سنتناوله في المقال اللاحق والذي خصصناه لإفرازات الصراع السياسي لعزل الشاة محمد رضا بهلوي وقيام الثورة الايرانية في ذلك العام والتي كان لها نتائج كبيرة وآثار ملموسة في تغيير بعض سياسات المنطقة، وبالتالي السياسات التسعيرية للبترول، وإلى اللقاء في المقال القادم بمشيئة الله وتوفيقه.
نقلا عن جريدة اليوم