شهد العالم منذ بداية العقد الأول من الألفية الثالثة اهتماما متزايدا بموضوع المسؤولية الاجتماعية للشركات، والتي أخذت بعدا دوليا شبه إلزامي مع إقرار الأمم المتحدة للمواصفات العالمية للمسؤولية الاجتماعية للشركات.
ان الشركات ليست مؤسسات خيرية، ومن الطبيعي أن هاجسها الأول هو تحقيق أكبر عائد من الربح للمساهمين فيها. من هنا استوجب الأمر ضرورة تذكير تلك الشركات بمسؤولياتها الاجتماعية والأخلاقية، حتى لا يكون تحقيق الربح عائداً من أمور غير مقبولة أخلاقياً أو قانونيا.
علاوة على ذلك، فإن الدور الرئيس الذي تلعبه الشركات كونها المصدر الرئيس للثروة وتوليد فرص العمل يحتّم عليها القيام بواجباتها الاجتماعية وفقاً للمفاهيم الحديثة.
هذه الجوانب شجعت ظهور مفهوم المسؤولية الاجتماعية وإن اختُلف في تعريفه باختلاف وجهات النظر في تحديد شكل هذه المسؤولية، بين من يراها بمثابة تذكير للشركات بمسؤولياتها وواجباتها إزاء مجتمعها، وآخرون يرون أن مقتضى هذه المسؤولية لا يتجاوز مبادرات اختيارية تقوم بها الشركات بإرادتها المنفردة تجاه المجتمع.
وفريق ثالث يعتبرها صورة من صور الملائمة الاجتماعية الواجبة على الشركات.
إن الناظر للمسؤولية الاجتماعية بشكل واسع يجدها مسؤولية اقتصادية واجتماعية وسياسية وأخلاقية تحوي أبعادا كثيرة منها (البيئة- العمالة- تحويل الأموال- المنافسة- الضرائب- نقل التكنولوجيا- الشفافية- محاربة الامراض والاوبئة- تعميق الهوية والثقافات دون دوافع سياسية- رأس المال المباشر- التواجد المؤسسي- التعليم- الطاقة- المرأة- الطبقات غير القادرة).
وينجم من ذلك مجموعة من الالتزامات التنموية كعامل مساند للتنمية الشاملة ومنها الالتزامات السياسية والاجتماعية.
وكمثال على ذلك المستوى الداخلي للمؤسسات، احترام النظم والقوانين والإجراءات الإدارية ومراجعة ومتابعة العقود، واحترام الأهداف والقيم وعدم التدخل في الأنشطة السياسية والحكومية، والتزامات متعلقة بحماية المستهلك مثل الالتزام والأمان وحماية المنافع الاقتصادية للمستهلك والحماية من تضليل الإعلان ومؤشرات الأسعار وتوفير الحد الأدنى من المعلومات.
ولاشك ان المسؤولية الاجتماعية تعد حجر زاوية وأداة هامة للتخفيف من سيطرة العولمة وجموحها، حيث يمثل القطاع الخاص والشركات الجزء الأكبر والأساسي في النظام الاقتصادي الوطني وعليه أصبح الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية مطلبا أساسيا لتقليص الفقر وأضلاعه الثلاثة من خلال التزام المؤسسات الاقتصادية (شركات- مؤسسات دولية) بتوفير البيئة المناسبة وعدم تبديد الموارد والقيام بعمليات التوظيف والتدريب ورفع القدرات البشرية capacity building وتمكين المرأة ورفع قدراتها ومهارتها بما يؤهلها الى المشاركة في عملية التنمية المستدامة ومساندة الفئات الاكثر احتياجا.
ونجاح قيام الشركات بدورها في المسؤولية الاجتماعية يعتمد أساساً على التزامها بثلاثة معايير هي: الاحترام والمسؤولية تجاه العاملين وأفراد المجتمع، دعم المجتمع ومساندته، حماية البيئة سواءً من حيث الالتزام بتوافق المنتج الذي تقدمه الشركة للمجتمع مع البيئة أو من حيث المبادرة بتقديم ما يخدم البيئة ويحسن من الظروف البيئية في المجتمع ويعالج المشاكل البيئية المختلفة.
ومن هذا المنطلق تبنى الاتحاد الأوروبي استراتيجية وأصدر قوانين تزاوج بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة والتنمية المستدامة، إلى جانب تنوير العميل كي يساعد الشركات التي تلتزم بتلك المعايير، وتبنى شعار الوردة كي ترسخ الصورة في أذهان السكان.
إن مفهوم المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص الخليجي مفهوم قديم لكنه لم يتبلور ولم يجد الاهتمام من القطاع الخاص والشركات ولم يتضح هذا المفهوم إلاّ في السبعينات من القرن الماضي.
وبالرغم من ذلك ما زال الخلط موجودا بشأن مفهوم المسؤولية الاجتماعية، داخل قطاع واسع، خاصة في الشركات والمؤسسات حيث انه هناك خلط بين العمل الخيري والعلاقات العامة وبين المسؤولية الاجتماعية.
ويجب أن تتجاوز المسؤولية الاجتماعية نطاق الأعمال الخيرية لواقع أرحب يجسد هذا المفهوم بصورة متكاملة.
وعند الحديث عن المسؤولية الاجتماعية للشركات في دول مجلس التعاون الخليجي، يجب أن نلاحظ أولا أننا نتحدث عن مجتمعات إسلامية.
ولعل هناك من الآيات والأحاديث الكثيرة التي تدل على التراحم والتصدق على الأقارب والفقراء وإغاثة الملهوف ولعل أبرز ما في هذا هو موضوع الزكاة الذي يدخل في صميم التكافل الاجتماعي بحيث تم اجبار القطاع الخاص على دفع الزكاة حسب نوع المنتج أو ما يملكه الشخص في هذا المجال.
وقد شهدت الأعوام جهودا واضحة من دول الخليج على صعيد الدفع بموضوع المسؤولية الاجتماعية للبروز اقتصاديا واجتماعيا.
وبرزت في السعودية العديد من نماذج وبرامج المسؤولية الاجتماعية التي تقوم البنوك السعودية بتنفيذها، من خلال أقسام وإدارات متخصصة في مجالات عمل المسؤولية الاجتماعية، تحت إشراف مباشر من قبل مجالس الإدارات بتلك البنوك، فعلى سبيل المثال لا الحصر، استطاع البنك الأهلي التجاري من خلال مسيرته الممتدة لسنوات طويلة في مجالات عمل المسؤولية الاجتماعية، أن يحقق نجاحات كبيرة في المجالات التعليمية كافة، والصحية، والثقافية، والرياضية، والتدريبية، والتوعوية، المرتبطة بالرفع من كفاءة ومهارات أفراد المجتمع، مما مكنهم وفق خطط وبرامج مدروسة، أن يتجاوز العقبات التي تواجههم، وأن تتوافر لهم فرص عمل تتوافق مع تطلعاتهم وطموحاتهم، الأمر الذي أسهم بشكل كبير في تقليص البطالة لدى الأسر من محدودي الدخل، والأسر الفقيرة، والأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصة.
وأخيرا وحتى يتم تطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات الخليجية، لابد من تحقيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المسؤولية الاجتماعية والحوكمة الجيدة وضرورة الفصل ما بين العمل الخيري التطوعي والمسؤولية الاجتماعية، وإيجاد نظام للمسؤولية الاجتماعية في دول المجلس.
كما انه من الضروري لتعميق وتأصيل مفهومي المسؤولية الاجتماعية والحوكمة الجيدة تحفيز قطاع الأعمال لتبني برامج منظمة في خدمة المجتمع، وتبني مشروع وطني لخدمة المجتمع يقوم بتنفيذه القطاع الخاص، وهذا التحفيز يعني بدوره ضرورة إشراك القطاع الخاص- كشريك كامل- على مستويات التخطيط والتشريع والتنفيذ لبرامج التنمية الاقتصادية سواء التكاملية أو القطرية في كل بلد خليجي، وهو ما يعمل القطاع الخاص الخليجي ممثلا في اتحاد الغرف الخليجية جاهدا على تنفيذه في الوقت الحاضر.
نقلا عن جريدة اليوم