شهدت البحرين الأسبوع الماضي عدة فعاليات اقتصادية تتداول في خيارات تنويع مصادر الدخل الاقتصادي، حيث تكررت الدعوات خلالها بفرض الضرائب على صافي أرباح المؤسسات والشركات والمصارف التي تحقق أرباحا كبيرة، لأنها تستفيد من الخدمات التي تقدمها البلاد، لذلك يجب عليها أن تسهم في رفع الميزانية من خلال دفع الضرائب، وبذلك يكون هناك ضخ للأموال في السوق لتأهيل الأرضية الخصبة للاستثمار، وبالتالي يخف الضغط على البلاد، وهذه دورة مالية متكاملة. لكنها دعت في نفس الوقت لوجود دراسات في كيفية التطبيق تتماشى مع المعايير العالمية، وأن تكون هناك ضوابط واضحة حتى لا تحول الشركات الضريبة إلى كاهل المستهلك.
ومن غير شك، فإن أحد العوامل التي ترسم المشهد المالي ليس في دول التعاون فحسب، بل وفي مجمل الدول النامية، تتمثل في معدلات الضريبة المنخفضة المفروضة على الشركات والسائدة في العديد من البلدان بما فيها الدول الخليجية. وقامت هذه الدول بتخفيض معدلات الضرائب وتسهيل ملكية الأجانب للمشاريع والاستثمارات داخل بلدانها بشكل كبير، ما ساعد لتصبح وجهات جاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم العربي. لكن التوجهات الواضحة نحو تطبيق ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية العام المقبل جاء في إطار الحاجة إلى سياسات ضريبية فعالة.
إن الضرائب كانت في الأصل التاريخي جباية يفرضها الحاكم على رعيته لتدخل خزينته الخاصة دون أن يسأله عنها أحد. وقد تطورت وظيفة الضرائب لاحقا لتمثل أحد مصادر دخل الخزينة العامة بهدف الانفاق على الخدمات العامة كالرعاية الصحية والتعليم وإنشاء الطرق والسكك الحديدية وغيرها. بعدها تطور دور الضرائب لتؤدي وظائف جديدة حيث باتت تركز على الجوانب التنموية والاجتماعية، فهي باتت تعرف كإحدى أدوات السياسة النقدية التي تستخدم تارة في تحفيز النمو الاقتصادي أو كبح جماح التضخم او تحقيق العدالة الاجتماعية.
إن مالية حكومات دول مجلس التعاون تعتمد بشكل كبير على صادراتها النفطية، مما يجعلها عرضةً لتقلبات الأسعار. ويؤثر تقلب الإيرادات الحكومية على خطط الصرف والإنفاق الاستثماري في مشاريع التنمية، الأمر الذي يهدد بدوره مسيرة النمو الاقتصادي المستدام. ولمعالجة هذه الثغرات المالية والاقتصادية، تحتاج الدول لإدراك مدى أهمية إصلاح نظام المالية العامة.
إن تطبيق حزمة مدروسة اقتصاديا واجتماعيا من الضرائب سوف سيعود بفوائد اقتصادية واجتماعية واستثمارية واضحة منها خلق وظائف جديدة وتطوير أداء الأعمال والشركات وتحسين نظام التدقيق والمحاسبة فيها، وتشجيع رؤوس الأموال والمستثمرين، بالإضافة إلي تشجيع السياحة حيث إن السائح سوف يسترد قيمة الضريبة عند إخراجه للسلعة معه وقت المغادرة للبلد. لذلك، فانه عندما يتم الحديث اليوم عن احتمالات فرض ضرائب منوعة بدول المجلس، فإن على هذه الدول أن تحدد أولا الأهداف التنموية والاجتماعية لفرض الضرائب، ولا يجب النظر إليها فقط كأداة لزيادة الإيرادات المالية. لقد سبق لصندوق النقد الدولي أن اقترح قيام دول مجلس التعاون الخليجي بفرض عدة أنواع من الضرائب التي يمكن أن تعزز الإيرادات غير النفطية، منها ضريبة الدخل على الشركات، وضريبة الاستهلاك، وضريبة القيمة المضافة، وضريبة الرسوم، علاوة على إلغاء اي استثناء ضريبي على المشاريع.
إلا أن الصندوق يعود للتأكيد أن فرض مثل هذه الضرائب لا بد أن يكون ضمن مجموعة من الإجراءات والأدوات الهادفة إلى تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي بدول المجلس. كما أن أي شكل من أشكال الضرائب، بما في ذلك الضرائب على الدخل لا بد وأن يأخذ شكلاً خليجياً جماعياً، فبعد منطقة التجارة الحرة والجدار الجمركي والسوق المشتركة وتوحيد العملة، فإن دول المجلس يجب أن تعمل على وضع أنظمتها النقدية بشكل يتناسق مع التوجهات العامة في نطاق السوق الخليجية المشتركة.
إن تأجيل اعتماد الضريبة خلال السنوات الماضية، مردّه إلى ارتفاع أسعار النفط، علماً بأن منطقة الخليج استفادت خلال العقود الماضية بسبب عدم فرضها أي نوع من الضرائب، في استقطاب مستثمرين أجانب. لكن هذا الموضوع بحاجة اليوم لدراسة جادة وأكثر تعمقا لجهة أن دول المجلس، وبغض النظر عن فرضية بقاء أسعار النفط عند مستويات مرضية في المدى المنظور أم لا، فهي بحاجة لأدوات لتحريك وتفعيل السياسات النقدية في دولها، خاصة في فترات ارتفاع أسعار التضخم، كذلك لتنويع مصادر دخلها وإعادة استثمار دخل الضرائب في المشاريع الاجتماعية والحيوية الأخرى.
نقلا عن اليوم