كثيرا ما نركز على مفهوم المسؤولية الاجتماعية المؤسسية، أو مسؤولية المؤسسات "بقطاعاتها الثلاثة" تجاه المجتمع. حيث إن هذه المسؤولية تتقاطع مع كثير من أصحاب المصالح المتأثرين بأعمال هذه المؤسسات. من المهم أيضا تطوير وعي الفرد تجاه دوره ومسؤوليته نحو مجتمعه والتعامل مع القضايا الطارئة فيه. حتى يكون التعامل تكامليا وبناء من أجل تحقيق مصالح المجتمع عامة دون أضرار. المسؤولية هنا تكاملية وتؤثر في بعضها، فإذا أردنا حقيقة أن نصل إلى تطبيق مسؤولية مؤسسية نحو الفرد والمجتمع، فلا بد من رفع الإحساس بالمسؤولية الفردية وتوجيهها لخدمة المجتمع والحفاظ عليه، ومن ثمارها أن تستمر وتتفاعل المسؤولية المؤسسية وتكون انعكاسا لمسؤولية الفرد. في إطار المسؤولية الاجتماعية المؤسسية وضع هرم كارول للمسؤولية الاجتماعية، المعتمد في قاعدته على مفهوم المسؤولية الاقتصادية يليها المسؤولية القانونية تجاه المجتمع والبيئة، ثم المسؤولية الأخلاقية التي تحمي حقوق الأفراد والبيئة والأجيال المقبلة، وفي قمة الهرم تأتي المسؤولية التطوعية والخيرية.
ولو حاولنا مجاراة هذا الإطار في المسؤولية لرأينا أن المسؤولية المؤسسية لا تنجح دون مستوى مقبول من المسؤولية الفردية التي يتبناها الأفراد. ويمكن القول إن مستويات المسؤولية الفردية تأتي من خلال احترام حرية وحقوق الآخرين، فلكل شخص حدود من الحرية يجب ألا يتجاوزها حتى لا يقع الضرر بالآخرين، ثم يأتي بعد ذلك مستوى المسؤولية القانونية للمحافظة على استقرار وتماسك المجتمع وحماية حقوقه، ثم يأتي دور المسؤولية الأخلاقية من خلال الالتزام بالأعراف والعادات المجتمعية التي تحمي الإنسان والبيئة وتحافظ على حقوق الأجيال المقبلة، يليها المسؤولية التطوعية والمشاركة المجتمعية التي تأتي نتاج السلام الذي ينعم به الأفراد نحو مجتمعهم.
كثير من المجتمعات المتحضرة قام وتقدم بناء على مستوى الوعي الفردي والمسؤولية الفردية نحو المجتمع، التي شكلت معرفة جمعية وتطبيقات تتكامل فيما بينها حتى وصلت إلى مسؤولية اجتماعية مؤسسية تسهم في بناء المجتمعات وتحقيق استقرارها وتقدمها.
إن دور الفرد ومسؤوليته تجاه نفسه ومجتمعه يشكل اللبنة الأساسية في تكامل المجتمع وتحقيق استقراره. وفي ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم هذه الأيام بعد انتشار فيروس كورونا COVID-19 تبرز أهمية المسؤولية الفردية نحو حماية المجتمع من أخطار الإصابة والحد من انتشار الفيروس، وحماية المجتمع من بث الشائعات والترويج للأخبار التي تثير الناس وتحدث الهلع والرهبة بينهم. كما تبرز المسؤولية الفردية في مدى التزام الأفراد بالتعليمات والتفاعل معها بطريقة تساعد على تخطي أخطار هذه الحالة التي تتزايد كل يوم.
كما لا تهمل المسؤولية الفردية دور الأفراد في التكاتف والتعاون من أجل تحقيق الاستقرار وحماية المجتمع والبيئة والبعد عن كل ما يثير القلق من أجل تحقيق أهداف المسؤولية الاجتماعية على المستويات الفردية والمؤسسية بقطاعاتها كافة. المسؤولية الفردية أسلوب حياة يظهر فيه دور مكونات المجتمع نحو تبني وترسيخ المسؤولية الاجتماعية، وانعكاس لما ستكون عليه المسؤولية الاجتماعية المؤسسية "للشركات والأجهزة الحكومية" نحو المجتمع، ومؤشر على نضج المجتمع وتقدمه من خلال التعامل بروح المجتمع وتحقيق مصالحه الكاملة، وحمى الله المجتمع وأفراده من كل شر.
مقالة محكمة، شكرا دكتور