الخيارات العالمية للطاقة.. النفط مقابل الغاز المسال

19/03/2014 1
د. سليمان الخطاف

يعتبر النفط والغاز الطبيعي من أهم مصادر الطاقة العالمية، ولقد وصلت نسبة استهلاك كل من النفط والغاز حالياً من مصادر الطاقة العالمية إلى حوالي 33% للنفط و25% للغاز الطبيعي.

وتتوقع شركة بريتش بتروليوم أن تتساوى نسب استهلاك كل أنواع الطاقة الأحفورية بحلول عام 2035م لتصل إلى 27% لكل من النفط والغاز والفحم الحجري، وهذا يدل على أن هذه الانواع الثلاثة ستنتج حوالي 81% من طاقة العالم بعد 20 عاما.

ويمكن مقارنة النفط بالغاز الطبيعي المسال بسبب امكانية نقله بالناقلات العملاقة بالمحيطات. ويستهلك العالم حالياً حوالي 90 مليون برميل يومياً من النفط أو ما يقارب 4.5 بليون طن سنوياً.

وفي المقابل بلغ الاستهلاك العالمي للغاز الطبيعي المسال في عام 2012م حوالي 238 مليون طن. أي ان نسبة استهلاك الغاز المسال تقارب 5-6% من كمية استهلاك العالم للنفط.

ولاشك أن ارتفاع نسبة استهلاك النفط له ما يبرره، وذلك بسبب الاستعمالات المتعددة للنفط كوقود وكلقيم للصناعات البتروكيماوية وايضاً لتوليد الطاقة.

وأما الغاز المسال فغالباً ما يستخدم لتوليد الطاقة وفي التدفئة وذلك لانه من أنظف مصادر الطاقة الموجودة حالياً.

ولكن تبقى تجارة النفط أسهل بكثير من تجارة الغاز المسال الذى يتطلب انشاء محطات تقوم بتحويله من سائل مضغوط إلى غاز، وعادة ما تكون هذه المحطات مكلفة وتقوم باستقباله من الناقلات البحرية.

 وتنتج المملكة وروسيا والولايات المتحدة حوالي ثلث الانتاج العالمي من النفط. وتملك قطر واندونيسيا وماليزيا واستراليا ونيجيريا حوالي 65% من الطاقة الانتاجية العالمية للغاز الطبيعي المسال.

أما الدول المستوردة للنفط فتبقى الولايات المتحدة والصين واليابان أهمها وتستورد هذه الدول حوالي 20% من الانتاج العالمى.

أما بالنسبة للغاز الطبيعي المسال فلا شك ان اليابان هى أهم تلك الدول، اذ بلغت كمية ما استوردته في عام 2012م حوالي 87.3 مليون طن بزيادة 8.5 عن عام 2011م بسبب اغلاق جميع المفاعلات النووية ثم تتبعها كوريا الجنوبية بحوالي 36 مليون طن.

وتعتمد اليابان وكوريا الجنوبية بشكل شبه كامل على الغاز الطبيعي المسال في توليد الطاقة، لذلك فان استهلاكهما له يعادل أكثر من نصف اجمالي الاستهلاك العالمي. أما الدول ذات النمو المتسارع في استهلاك واستيراد الغاز الطبيعي فمن اهمها الصين، والهند، وتايوان، واسبانيا حيث يصل استهلاك كل دولة حوالي 14 مليون طن سنوياً.

ولا شك أن دول الشرق الأوسط مرشحة وبقوة لتكون من الدول الواعدة في استهلاك الغاز الطبيعي المسال، فلقد استوردت الكويت حوالي 2.1 مليون طن في صيف عام 2012م؛ لتلبي الطلب المرتفع على الكهرباء في فصل الصيف، وبدأت الامارات ايضاً بالاستيراد وقد تتبعها دول أخرى مثل مصر، والبحرين، والاردن في المستقبل القريب.

وترتبط أسعار الغاز الطبيعي المسال بشكل وثيق بأسعار النفط العالمية على أساس سعر المليون وحدة حرارية.

فكل برميل نفط يحوي حوالي 5.6 مليون وحدة حرارية، فاذا كان سعر برميل النفط 110 دولارات يصبح سعر المليون وحدة حرارية للنفط حوالي 19.6 دولار.

ولقد وصلت أسعار الغاز الطبيعي المسال في كل من كوريا الجنوبية واليابان حوالي 19-20 دولارا للمليون وحدة حرارية. وبهذا فان أسعار الغاز هنالك مرتبطة تماماً بأسعار النفط العالمية.

ولان الغاز المسال المصدر الوحيد للغاز في كل من كوريا واليابان لذلك كانت معادلة أسعار الغاز بأسعار النفط البديل الوحيد المتوفر عن الغاز المسال وهي معادلة حتمية ومنطقية للمنتج والمستهلك.

وبسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال وتعادلها تقريباً بأسعار النفط، أصبح من المسلم به زيادة الطاقة الانتاجية للعالم من الغاز المسال بحوالي 60% بحلول 2020م لتصل إلى حوالي 400 مليون طن سنوياً.

وأصبحت مشاريع الغاز المسال الأجدى اقتصادياً لاي اكتشاف جديد لحقول الغاز الطبيعى وفي جميع أنحاء العالم.

  ولكن يبقى السؤال الأهم، ما هو تأثير الارتفاع الكبير لانتاج الغاز المسال على أسعاره المستقبلية؟. وإذا ما استمرت أسعار الغاز المسال مرتفعة ومعادلة لأسعار النفط هل يغري ذلك بعض الدول بالاستغناء عن الغاز المسال لمصلحة النفط المتعدد الاغراض؟.

فعلى سبيل المثال ارتفعت قيمة واردات اليابان من الغاز المسال في عام 2013م لتصل الى حوالي 73 بليون دولار، وهي تشكل حوالي 8% من قيمة وارداتها.

وبدأت كثير من الشركات اليابانية تتذمر من ارتفاع فاتورة الغاز الطبيعي المسال ولذلك نجدها تهرول إلى الولايات المتحدة؛ للحصول على عقود أرخص في المستقبل مستغلة طفرة انتاج الغاز الصخري. 

وبالمقابل تصل فاتورة اليابان من استيراد 4 ملايين برميل نفط يومياً حوالي 146 بليون دولار سنوياً. ولكن لا يمكن الاستغناء عن النفط كوقود للمواصلات وكلقيم للصناعات الكيميائية اليابانية، وايضاً يمكن استخدام بعض مشتقاته كزيت الوقود بعد استخلاص الكبريت كوقود لتوليد الطاقة.

ولن تستطيع اليابان الاستغناء عن النفط حتى ولو تم تشغيل المحطات النووية وحتى لو تم رفع حصة الطاقة المتجددة من اجمالي توليد الطاقة باليابان. ولذلك قد نشهد بالسنوات القادمة منافسة تقليدية بين النفط والغاز الطبيعي المسال بحكم أن اسعارهما متعادلة ولكن استخداماتهما متغايرة ومختلفة.

إن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال سيغري بلا شك كثيرا من الدول بالاستغناء عنه لمصلحة النفط. وهذا قد يؤدي إلى انخفاض الطلب العالمي على الغاز المسال مقابل ارتفاع للطلب على النفط.

ومن ثم يأتي دور الكميات الكبيرة والتي ستنتج في عام 2020م من الغاز المسال، وهذا قد يساهم أكثر في انخفاض الاسعار وحتى في حالة تطبيق ضريبة الكربون والتي بالتأكيد ستبدأ بالتأثير على الفحم الحجري المولد الأكبر للطاقة في العالم والملوث الأكبر بالانبعاثات الكربونية والكبريتية.

وفي الختام، سيبقى النفط المصدر الأول للطاقة في العالم؛ لانه الأجدى اقتصادياً والأسهل استعمالاً والأكثر تنوعاً في الاستخدام.

وسيعتمد النمو الحقيقي لاستهلاك الغاز المسال في العالم على اسعاره ومدى ارتباطها بأسعار النفط. فمن غير المجدي أن يتم تحويل الغاز إلى ديزل أو استخدامه كوقود بدلاً عن الجازولين اذا كانت أسعاره تعادل أسعار النفط.

وحتى استخدامه لتوليد الطاقة أصبح عملية مكلفة بسبب ارتفاع أسعاره، وها هي اليابان تتهيأ لتشغيل مفاعلاتها النووية مرة أخرى رغم ارتفاع المعارضة الجماهيرية لان أسعار الغاز المسال قد ارهقتها.

نقلا عن جريدة اليوم