أسباب مقاومة أسعار النفط التقلبات

09/03/2014 0
وليد خدوري

يستمر تراوح أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية بين 100 و110 دولارات للبرميل، على رغم كل العوامل الاقتصادية والجيوسياسية الطارئة.

فإنتاج النفط الليبي الخفيف تدهور إلى 250 ألف برميل يومياً، مقارنة بنحو 1.6 مليون قبل الثورة.

وتصدَّر الغالبية الساحقة من النفط الليبي إلى الأسواق الأوروبية. وتحدت روسيا والولايات المتحدة كلاهما الآخر في أوكرانيا، حيث تعبر أهم أنابيب تصدير الغاز الروسي إلى الأسواق الأوروبية.

لكن على رغم هذه الأزمة ما بين موسكو وواشنطن، التي لا تزال عرضة لتجاذب ديبلوماسي وهي الأهم منذ سقوط الحكم الشيوعي في روسيا، وكذلك تراجع الإنتاج الليبي، لم ترتفع الأسعار كثيراً، واستمرت تراوح حول المعدلات المستمرة منذ أكثر من عامين.

كان حدثان كهذين ليشكلا إرباكاً كبيراً في الأسواق في السابق، خصوصاً لأبعادهما الجيوسياسية والاقتصادية ولتزامنهما.

والسبب الذي كان يرفع الأسعار بسرعة إلى مستويات قياسية، أو يخفضها إلى مستويات متدنية بالسرعة ذاتها، هم المضاربون.

والتزمت منظمة «أوبك» لفترة طويلة بالقول ان السبب في هذه المتغيرات السريعة والكبيرة في الأسعار هو مضاربات تجار السوق، فالمتغيرات لا تعود إلى نقصان كبير أو زيادة مهمة في الإمدادات.

ولم تأخذ الأسواق هذا الكلام بجدية في بادئ الأمر، واعتبرته نوعاً من الدعاية.

طبعاً لا تزال المضاربات في أسواق لندن ونيويورك تؤدي دوراً مهماً وكبيراً، إلا ان الفارق الآن هو تغلب صدقية تصريحات المسؤولين في بعض الدول المنتجة الكبرى في منظمة «أوبك».

والسبب وراء هذه الصدقية هو التجارب الصعبة في الفترة الماضية والتزام الدول المنتجة الكبرى، خصوصاً السعودية والإمارات، بتعهداتها وصدق الأرقام التي كانت تعلنها عن طاقتها الإنتاجية بعد طول تشكيك من وسائل الإعلام الدولية.

وبدأ المضاربون يأخذون بجدية أكثر الطاقات الإنتاجية ويتحفظون في شراء عقود النفط أو بيعها بسرعة أثناء الأزمات ويمحصون أكثر في الأخبار أو الشائعات قبل اتخاذ قراراتهم.

وأخذ المضاربون قرار الدول المنتجة الكبرى الحفاظ على استقرار الأسواق بجدية أكبر، فتراجعت ردود الفعل المتسرعة والانفعالية التي كانت السبب الرئيس وراء الارتفاع أو الانخفاض السريع في الأسعار خلال فترات التهديدات بإغلاق الممرات البحرية، خصوصاً مضيق هرمز، أو الحروب، مثل الحرب العراقية - الإيرانية خلال الثمانينات حين انخفض إنتاج البلدين، واحتلال الكويت ثم احتلال العراق، حين توقف تصدير هاتين الدولتين (خلال احتلال الكويت توقف تصدير العراق والكويت معاً أي نحو أربعة إلى خمس ملايين برميل يومياً)، ناهيك عن فرض مقاطعة وحصار على دول شرق أوسطية منذ أوائل التسعينات، منها العراق وإيران وليبيا وسورية.

كيف تحقق توازن العرض والطلب في الأسواق خلال هذه الفترات العصيبة؟ هناك عوامل لهذه الظاهرة. فالدول المنتجة الكبرى في الخليج تعهدت باستعمال طاقتها الإنتاجية الفائضة، وهي طاقة إنتاجية متوافرة تحافظ عليها لفترات الأزمات.

والتزمت اكبر دولتين منتجتين، السعودية والإمارات، بهذه الطاقة الفائضة واستعملتها فعلاً أثناء الأزمات، ما حافظ على توازن العرض والطلب ومن ثم الأسعار.

وبرزت ظاهرة جديدة في السنوات القريبة الماضية وهي زيادة كمية الإمدادات من إنتاج النفط من مناطق غير تقليدية، أي من أعماق البحار والمحيطات (خليج المكسيك والجانبين الشرقي والغربي للمحيط الأطلسي)، ناهيك عن إنتاج النفط غير التقليدي في أميركا الشمالية.

والاستكشاف والإنتاج لنفوط المحيطات والنفوط غير التقليدية، يعني حرص الشركات العالمية على الحفاظ على أسعار عالية نسبياً مقارنة بالأسعار السابقة التي تراوحت حول 20 - 30 دولاراً لارتفاع تكاليف هذه النفوط مقارنة بالنفوط التقليدية.

وينتَج معظم النفوط غير التقليدية من شركات في الدول الصناعية، فلا نسمع شكاوى من هذه الدول من الأسعار الحالية، وهي أسعار عالية نسبياً، ولكن نشاهد استقرارها لفترة طويلة غير معهودة في الأسواق العالمية.

ونجد أيضاً ان الدول المنتجة الكبرى تحـــاول قدر الإمكان الحفاظ على مستوى مستقر للأسعار، متجنبة التذبذبات الكبيرة، لأن هذا يؤدي إلى اختلالات في موازناتها العامة. لكن هنــــاك آثاراً سلبية في الدول المنتجة عند ارتفاع الأسعار إلى المستويات العالية الحالية.

فالسيولة المالية العالية الناتجة من الريع النفطي تعطي انطباعات خاطئة عن اقتصادات الدول المنتجــة، خصوـصاً مع زيادة إنفاق الريع النفطي فـــي قطـــاعات غير إنتاجية.

وهناك ظاهرة جديدة إذ زاد معدل استهلاك الطاقة في الدول المنتجة الكبرى إلى مستويات قياسية خلال السنوات الأخــيرة، والسبب في ذلك الدعم المالي الذي تقدمه حكومات بعض هذه الدول للمحروقات.

ويُلاحظ أيضاً ان الارتفاع المستمر لأسعار النفط على مدى سنوات كثيرة يؤدي إلى منافسة بين النفوط غير التقليدية للنفوط التقليدية، خصوصاً خلال معاناة الولايات المتحدة والدول الأوروبية أزمات اقتصادية حادة أدت إلى انكماش اقتصاداتها وبالتالي تراجع الطلب على الطاقة.

ولم ينقذ معدلات الطلب سوى زيادته الملحوظة في الدول الناشئة في آسيا وأيضاً في البرازيل إذ عوضت زيادة الطلب في الدول الناشئة ومعها أيضاً بعض الدول المنتجة للنفط الانخفاض في الاستهلاك الذي حصل في الدول الصناعية الغربية.

نقلا عن جريدة الحياة